هذه الأعصاب مغارزها التي منها يسترفد ما يحفظ به قواها في الدماغ نفسه؛ وكثيرا منها مغارزها في النخاع النافذ ، والنخاع من أعلاه متصل بالدماغ ، فإن الدماغ يرفدها بمشاركة النخاع لها في الارفاد (١).
ومن ذلك أن تخيل القوة المتخيلة إنما يكون متى كانت حرارة القلب على مقدار محدود. وكذلك فكر القوة الناطقة ، إنما يكون متى كانت حرارته على ضرب ما من التقدير ، أي فعل. وكذلك حفظها وتذكّرها للشيء.
فالدماغ أيضا يخدم القلب بأن يجعل حرارته على الاعتدال الذي يجود به تخيله ، وعلى الاعتدال الذي يجود به فكره ورويته ، وعلى الاعتدال الذي يجود به حفظه وتذكره. فبجزء منه يعدل به ما يصلح به التخيل ، وبجزء آخر منه يعدل به ما يصلح به الفكر ، وبجزء ثالث يعدل به ما يصلح الحفظ والذكر. وذلك أن القلب ، لما كان ينبوع الحرارة الغريزية ، لم يمكن أن يجعل الحرارة التي فيه الا قوية مفرطة ليفضل منه ما يفيض إلى سائر الأعضاء ، ولئلا يقصر أو يجود. فلم تكن كذلك في نفسها إلا لغاية بقلبه. فلما كان كذلك وجب أن يعدّل حرارته التي تنفذ إلى الأعضاء ، ولا تكون حرارته في نفسها على الاعتدال الذي تجود به أفعاله التي تخصه. فجعل الدماغ لأجل ذلك بالطبع باردا رطبا ، حتى في الملمس ، بالاضافة إلى سائر الأعضاء ، وجعلت فيه قوة نفسانية تصير بها حرارة القلب على اعتدال محدود محصّل (٢).
_________________
١) الأعصاب المنبثقة عن الدماغ نوعان : حاسة ومحركة.
٢) الدماغ يخدم القلب عند ما يفكر أو يتخيل أو يتذكر ويحفظ وذلك بتعديل حرارته.