والأعصاب التي للحس والتي للحركة ، لما كانت أرضية بالطبع ، سريعة القبول للجفاف ، كانت تحتاج إلى أن تبقى رطبة إلى لدانة مواتية للتمدد والتقاصر. و (لما) كانت أعصاب الحس محتاجة مع ذلك إلى الروح الغريزي الذي ليست فيه دخانية أصلا و (لما) كان الروح الغريزي السالك في أجزاء الدماغ هذه حاله ، و (لما) كان القلب مفرط الحرارة ناريها ، لم تجعل مغارزها التي بها تسترفد ما يحفظ قواها في القلب ، لئلا يسرع الجفاف إليها فتتحلل وتبطل قواها وأفعالها ، جعلت مغارزها في الدماغ وفي النخاع لأنهما رطبان جدا ، لتنفذ من كل واحد منهما في الأعصاب رطوبة تبقيها على اللدونة ، وتستبقي بها قواها النفسانية ، فبعض الأعصاب يحتاج فيها إلى أن تكون الرطوبة النافذة فيها مائية لطيفة غير لزجة أصلا ، وبعضها محتاج فيها إلى لزوجة ما. فما كان منها محتاجا إلى مائية لطيفة غير لزجة ، جعلت مغارزها في الدماغ؛ وما كان منها محتاجا فيها مع ذلك إلى أن تكون رطوبتها فيها لزجة ، جعلت مغارزها في النخاع؛ وما كان منها محتاجا فيها إلى أن تكون رطوبتها قليلة ، جعلت مغارزها أسفل الفقار والعصعص (١).
ثم بعد الدماغ الكبد ، وبعده الطحال ، وبعد ذلك أعضاء التوليد ، وكل قوة في عضو كان شأنها أن تفعل فعلا جسمانيا ينفصل به من ذلك العضو جسم ما ويصير إلى آخر ، فإنه يلزم ضرورة ، إما أن يكون ذلك الآخر متصلا بالأول ، مثل اتصال كثير من الأعصاب
_________________
١) الحكمة في جعل مغارز الأعصاب في الدماغ وليس في القلب.