الثاني : إنّ قوله عليه السلام « كلّ ذلك لم يكن » ، إن كان مع تجويزه السهو على نفسه مع وقوعه ، فكيف يجزم بأنّ كلّ ذلك لم يكن ، أو بأنّها لم تقصر ولم ينس ، وأقلّه أن يقول : ظنّي إنّ ذلك لم يكن ، أو بأنّها لم تقصر ولم أنس ، وهل يليق بمرتبته عليه السلام إنكار ذلك مع احتماله في حقّه حتّى أنّه يتجاوز الحدّ في إخراجه عن مرتبته من تأوّل قوله ؟ كلّ ذلك لم يكن انّ المراد به رفع الايجاب الكلّي ليكون الواقع السهو ، وهذا يليق بمن يحتال في الجواب لئلاّ يعترف بما نسب إليه ولا يفتضح بظهور خطأه ، فهل يليق به مثل ذلك ؟ مع انّ قوله : لم تقصر ولم أنس ، وقول ذي اليدين : بعض ذلك قد كان ، يدلاّن على انّه أراد السلب الكلّي ويرفعان هذه الحيلة في الجواب ، وربّما ترقوا إلى انّ هذا سهو آخر.
فيالله العجب من تجويز سهوين عليه ، وعدم تجويز سهو واحد على ذي اليدين ! ومن تكذيبه ، وتصديق ذي اليدين ! فعلى هذا كان ذو اليدين أحقّ منه بالنبوّة ، حيث لا يجوز عليه ولا على من شهد له السهو الواحد ، وجاز على رسول الله صلّى الله عليه وآله سهوان في وقت واحد !!
الثالث : كونه قام غضباناً يجرّ رداءه ، فهذا الغضب إن كان في قولهم الحقّ ، فهل يليق لمن قال تعالى في شأنه : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (١) ، وكان رسولاً لاظهار الحقّ ، وإرشاد الخلق ، أن يغضب من ذلك ، والذي يليق بحاله عليه السلام إن كان غضب من ذلك ، أن يكون من افترائهم عليه ، وشهادة بعضهم لبعض ، وهذا هو المناسب لغضبه ، واللائق به ، مع انّ الغضب الذي ذكروه لا يخلو من أن يكون لافترائهم عليه ، أو من خجله بإنكار ذلك ، أو من
__________________
(١) سورة القلم : ٤.