فإن كان ذلك بعيداً في بعض أحاديث السهو فلعلّه من باب الرواية بالمعنى.
واعلم انّي كنت أنكر على بعض علمائنا في كتب الاستدلال أنّهم يستدلّون على ما يختارونه أوّلاً ببعض الاستنباطات الظنّيّة حتى بالقياس ، ثمّ يقولون ويؤيّده صحيحة زرارة مثلاً ، وربّما يستدلّون أوّلاً بما رواه العامّة عن عائشة وعمر وأبي هريرة وأمثالهم ، ثمّ بأحاديث الخاصّة ويوردونها على وجه التأييد ، ومعلوم انّه ينبغي أن يكون الأمر بالعكس ، ثمّ تفطّنت انّ فعلهم هذا لأجل الاحتجاج على العامّة لأنّهم يقولون أقوالهم وأقوال الشيعة ، ثمّ يختارون قولاً ويحتجّون عليه.
ثمّ وجدت للسيّد المرتضى رضياللهعنه تصريحاً بمثل ذلك في بعض رسائله ، فقال ما ملخّصه : إنّا نستدلّ في الظاهر بطريقة العامّة ، وربّما نستدلّ بأحاديثهم ، وإنّما دليلنا في الواقع ، ونفس الأمر هو إجماع الطائفة المحقّة.
أقول : ومراده كما يفهم من مواضع من كلامه بالإجماع هنا أعمّ من الاجماع على الفتوى بحيث لا يخالف أحد منهم ، والإجماع على النقل بأن يرووا الحديث في بعض الاُصول الأربعة الّتي أجمعوا على صحّتها وثبوتها عنهم عليهم السلام ، وقد سرى الوهم من هنا إلى بعض المتأخّرين فظنّوا إنّ استدلالهم بتلك الاستنباطات الظنّيّة واقعي تحقيقي ، مع أنّ الشيخ في كتاب العدّة (١) والسيّد المرتضى في مواضع من كلامه وغيرهما من المحقّقين
__________________
(١) عدّة الاُصول ١ : ٢٧٦.