يعلم أنهم لا يقدرون على ذلك وما اشبه هذا الكلام من ألفاظ التحدي ، لان التحدي وان كان بصورة الامر لكنه ليس بأمر على الحقيقة ولا تصاحبه ارادة الفعل ، فكيف تصاحبه الارادة والله تعالى يعلم استحالة وقوع ذلك منهم وتعذره عليهم وانما التحدي لفظ موضوع لاقامة الحجة على المتحدي واظهار عجزه وقصوره عما تحدى به ، وليس هناك فعل يتناوله ارادة الامر بالقاء الحبال والعصي بخلاف ذلك ، لانه مقدور ممكن. فليس يجوز ان يقال ان المقصود به هو ان يعجزوا بها عن القائها ويتعذر عليهم ما دعوا إليه ، فلم يبق بعد ذلك إلا انه امر بشرط ، ويمكن ان يكون على سبيل التحدي بأن يكون دعاهم إلى الالقاء على وجه يساوونه فيه ، ولا يخيلون فيما ألقوه من السعي والتصرف من غير ان يكون له حقيقة ، لان ذلك غير مساو لما ظهر على يده من انقلاب الجماد حية على الحقيقة دون التخييل. وإذا كان ذلك ليس في مقدورهم فإنما تحداهم به لتظهر حجته ويوجه دلالته وهذا واضح ، وقد بين الله تعالى في القرآن ذلك بأوضح ما يكون فقال : (وجاء السحرة فرعون قالوا ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين ، قال نعم وانكم لمن المقربين قالوا يا موسى اما ان تلقي واما ان نكون نحن الملقين قال القوا فلما القوا سحروا اعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى ان الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين). تنزيه موسى (ع) عن الخوف : (مسألة) فإن قيل : فمن أي شئ خاف موسى عليه السلام حتى حكى الله تعالى عنه الخيفة في قوله عزوجل : (فأوجس في نفسه خيفة موسى) أو ليس خوفه يقتضى شكه في صحة ما اتى به؟. (الجواب) : قلنا : لم يخف من الوجه الذى تضمنه السؤال ، وإنما رأى من قوة التلبيس والتخييل ما اشفق عنده من وقوع الشبهة على من لم يمعن النظر ، فأمنه الله تعالى من ذلك وبين له ان حجته ستتضح للقوم بقوله تعالى :