الاجناس ، وتلتحم بمصالحها الثقافية والتجارية مع اعظم الاقطار المعروفة في ذلك الزمان. والكوفة هي كل شيء في سياسة الحسن عليهالسلام ، أو هي اعظم ذخيرة كان يدخرها للايام السود ، والوقائع الحمر ، والبلايا الملونة التي شاءت الليالي أن تجمعها عليه في وقته الحاضر ـ فذكر ، وهو يستعرض في نفسه سوابقه مع الكوفة أو سوابق الكوفة معه ، انثيال الناس ـ هناك ـ على بيعته والاخذ بيده ، واجماعهم على قبول شرطه يوم رضي أن يمد يده لبيعتهم « على أن تكون بالسمع والطاعة ، وأن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم ».
ثم نظر الى حوادث « مسكن » وزلزلة الاكثر من جيوشه « الكوفيين » هناك ، ونفورهم من القتال وركونهم الى الفرار ، وانخداعهم بالمطامع ، وجهرهم بالعصيان ، ونقضهم المواثيق التي عاهدوا الله عليها.
فساءه ، ان تبلغ السفالة البشرية ، وميوعة الدين ، وصفاقة الاخلاق ، في عصبة تدعى الاسلام ، وتتقلد القرآن ، وتؤمن ـ على ظاهرها ـ بالنبي فتصلي عليه وعلى اله ، في صلواتها الخمس كل يوم خمس مرات ـ مبلغها من هؤلاء الذين خانوا النبي في آله ، وخانوا الله في مواثيقه ، وباءوا بمخزاة التاريخ على غير كلفة ولا اكتراث.
وظنوا ان معاوية مانعهم من الموت والفقر ، ولا والله ما من الموت مفر ، ولا رشوات معاوية بأجدي لهم من الرزق الحلال الذي قدّر لهم في هذه الحياة ، وسيصعد معاوية منبره في الكوفة ، معلنا على رؤوسهم حنثه بأيمانه وعهوده ومواعيده ، وجاعلا « كل ذلك تحت قدميه (١) » ، وما هي الا شنشنته التي كان يمليها عليه طموحه الى الغلبة بكل سبب منذطمع بالطفرة الى التاج.
__________________
١ ـ يراجع عن هذا التصريح اكثر المصادر التاريخية ، وذكره ابن قتيبة في « تاريخ الخلفاء الراشدين ودولة بني امية » ( ص ١٥١ ـ مطبعة مصطفي محمد ـ بمصر ).