جوابه لاخيه الحسين (ع) فيما مرّ عليك ، حين سأله : « ما الذي دعاك الى تسليم الامر؟ » فقال له : « الذي دعا أباك فيما تقدم ».
ولكل من الامامين في ظرفه الخاص ، تضحياته الرفيعة التي حفظ بها الاسلام.
ومحا الحسن ـ على هذه القاعدة ـ خارطة مملكته المادية من الارض ، لينقش بدلها خارطة عظمته الروحية في الارض والسماء معا. وتلفّت الى « حدود » مملكته في الملك الجديد الذي لا يبلى ، فاذا هي الحدود بين مملكة الحق والمملكة التي هي شيء غير الحق ، بين الانسانية المثالية وألانانية الطاغية ، بين روحانية « الامام » الذي يحيا ويموت ، وعلى لسانه كلمات الله : « أقيموا الصلوة » ، « وآتوا الزكوة » ، « كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم » ، « ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا » ـ وبين مادية « الجبّار » الذي يعالن الناس قائلا : « والله اني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتزكوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ، وانما قاتلتكم لأتأمَّر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون! ».
واعتاد الناس ان يتلقوا مثل هذه الحادثة ، كما يتلقون الصدمة الكبيرة من أحداث الزمان ، ذلك لانهم انما ينظرون اليها من ناحيتها الدنيوية الضيقة فلا يرون فيها الا الخسارة.
أما النفس المطمئنة المفطورة على الخير المحض ، فالحادثة عندها وسيلة أهداف هي أعز من الملك ، وهي أعز من الدنيا بأسرها ، وهي ـ مع ذلك ـ التاريخ الذى يلعلع على الانسانية بالامجاد.
وهكذا غلب الحسن الناس في جهاده ، وفي صبره ، وفي تضحيته جميعا. وهذه ثلاث هن امهات الفضائل كلها. وللحسن ثلاث اخرى وثلاث ثالثة ، كلهن أدوات عظمته ، وشواهد مزاياه.