وفي هذا الحزب عناصر قوية من ذوي الاتباع والنفوذ ، كان لها أثرها فيما نكبت به قضية الحسن من دعاوات ومؤامرات وشقاق.
« فكتبوا الى معاوية بالسمع والطاعة في السرّ ، واستحثوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسن اليه عند دنوّهم من عسكره ، أو الفتك به (١) ».
وفيما يحدثنا المسعودي في تاريخه (٢) : « أن أكثرهم اخذوا يكاتبونه ـ يعني معاوية ـ سراً ، ويتبرعون له بالمواعيد ، ويتخذون عنده الايادي ».
« ودس معاوية الى عمرو بن حريث والاشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعي دسيسةً ، وآثر كل واحد منهم بعين من عيونه ، انك اذا قتلت الحسن ، فلك مائة الف درهم ، وجند من اجناد الشام ، وبنت من بناتي. فبلغ الحسن عليهالسلام ذلك فاستلأم ( لبس اللامة ) ولبس درعاً وكفرها ، وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم الا كذلك ، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم ، فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة (٣) ».
ومثلٌ واحد من هذه النصوص يغني عن أمثال كثيرة.
وهكذا كان يعمل هؤلاء عامدين ، شر ما يعمله خائن يتحين الفرص ، وكانت محاولاتهم اللئيمة ، لا تكاد تختفي تحت غمائم الدجل والنفاق ، حتى
__________________
١ ـ المفيد في الارشاد ( ص ١٧٠ ) ـ والطبرسي في اعلام الورى.
٢ ـ هامش ابن الاثير ( ج ٦ ص ٤٢ ). اقول : وما يدرينا أن يكون كثير من أهل الشام كاتبوا الحسن يومئذ ، بمثل ما كاتب به الكوفيون معاوية. وقد علمنا ان الفريقين ـ أهل الشام واهل الكوفة ـ كانوا سواء في افلاسهم الخلقي الذي ينزع الى الخيانة كلما أغرتهم المظاهر. وعليك ان ترجع الى البيهقي في المحاسن والمساوي ( ج ٢ ص ٢٠٠ ) لتشهد مكاتبة أصحاب معاوية علياً عليهالسلام ، وترجع الى اليعقوبي ( ج ٣ ص ١٢ ) لتشهد مكاتبة عامة أصحاب عبد الملك بن مروان لمصعب بن الزبير وطلبهم الامان والجوائز منه. فلعل مكاتبة الشاميين للحسن انما خفيت علينا لان الحسن كان آمن من صاحبه على السر فلم يبح بما وصله منهم ، أو لان المؤرخين شاءوا اغفالها ككثير من امثالها.
٣ ـ علل الشرائع ( ص ٨٤ ).