وقد اعتمد أصحاب هذا الاتجاه على ما روي في التفسير بالمأثور من عبادته ، عليهالسلام ، لهذه الكواكب في صغره اتباعا لقومه ، حتى أراه الله تعالى بعد كمال التمييز حجته على بطلان عبادتها ، والاستدلال بأفولها وتعددها وغير ذلك من صفاتها على توحيد خالقها ، وأن ذلك كله كان قبل النبوة ودعوتها ، ومنه قصة طويلة مروية عن محمد بن إسحاق فيها أن إبراهيم عليهالسلام ، ولدته أمه في مغارة أخفته فيها خوفا عليه من ملكهم «نمرود بن كنعان» أن يقتله ، إذ كان قد أخبره المنجمون بأنه سيولد في قريته غلام يفارق دينهم ، ويكسر أصنامهم فشرع يذبح كل غلام ولد في الشهر الذي وصف أصحاب النجوم من السنة التي عينوا ، وفيها أن إبراهيم كان يشب في اليوم ، كما يشب غيره في شهر ، وفي الشهر كما يشب غيره في سنة ، وأنه طلب من أمه بعد خمسة عشر يوما من ولادته ، أن تخرجه من المغارة ، فأخرجته فنظر وتفكر في خلق السماوات والأرض ، وذكر رؤيته للكواكب فالقمر فالشمس (١).
وكان الله تعالى قد خصّه بالعقل الكامل والنظرة السليمة ، ومن ثم فقد تفكر في نفسه وقال : لا بد لهذا الخلق من خالق ، وهو إله الخلق ، ثم نظر حال تفكره ، فرأى الكوكب وقد ازدهر فقال : هذا ربي على ما سبق إلى وهمه ، وذلك في حالة طفولته ، وقبل استحكام النظر في معرفة الرب سبحانه وتعالى ، وقد استدل أصحاب هذا القول على صحته بقوله : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ، وهذا يدل على نوع من التحيّر ، وذلك لا يكون إلا في حالة الصغر ، وقبل البلوغ وقيام الحجة (٢).
__________________
(١) تفسير المنار ١١ / ٤٦٤ ، وانظر : تفسير النسفي ٢ / ٢٠ ، تفسير الطبري ١١ / ٤٨١ ـ ٤٨٢ ، تفسير القرطبي ص ٢٤٦ ، محمد بيومي مهران : دراسات تاريخية من القرآن الكريم ح ـ ١ ـ ص ١١٦ ـ ١١٧ ، إسرائيل ح ١ ـ ص ٢٨٠.
(٢) محمد حسني : المرجع السابق ص ٤٠.