وليس هناك إلى سبيل من شك في أن هذا القول غير صحيح تماما ، لأسباب كثيرة ، منها أن رواية ابن إسحاق وأمثالها ، إنما هي موضوعة لهذه المسألة ، وقد أخذها ابن إسحاق عن بعض اليهود الذي كانوا يلقنون المسلمين أمثال هذه القصص ، ليلبسوا عليهم دينهم ، فتبطل ثقة يهود وغيرهم (١) ، ومنها أن الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، معصومون في كل حال من الأحوال ، ولا يجوز أن يكون لله عزوجل رسول يأت عليه وقت من الأوقات ، إلا وهو بالله عارف ، وله موحد ، ومن كل منقصة منزه ، ومن كل معبود سواه ، سبحانه وتعالى ، بريء ، وإن هذا القول لينقصنه تماما كون الله تعالى قد أتى إبراهيم رشده من قبل ، وأطلعه على أسرار الكون ، وملكوت السماوات والأرض ، قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) (٢) ، وقال تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣).
وقال أبو حيان في بحره المحيط : لما أوضح لهم أن الكوكب الذي رآه لا يصلح أن يكون ربا ، ارتقب ما هو أنور منه وأضوأ ، فرأى القمر أول طلوعه ، ثم لما غاب ارتقب الشمس إذ كانت أنور من القمر وأضوأ ، وأكبر جرما ، وأعم نفعا ، فقال ذلك على سبيل الاحتجاج عليهم ، وبيّن أنها مساوية للنجم من صفة الحدوث (٤) ، وروى ابن جريج عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال : فرجت له السماوات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش ، وفرجت له الأرضون فنظر إليهن ، ورأى مكانه في الجنة ، فذلك قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) (٥).
__________________
(١) تفسير المنار ١١ / ٤٦٤.
(٢) سورة الأنبياء : آية ٥١.
(٣) سورة الأنعام : آية ٧٥.
(٤) تفسير البحر المحيط ٤ / ١٦٧.
(٥) تفسير القرطبي ص ٢٤٥٩ ـ ٢٤٦٠.