وهكذا استحق إبراهيم عليهالسلام ، بصفاء فطرته وخلوصها للحق ، أن يكشف الله لبصيرته عن الأسرار الكامنة في الكون ، والدلائل الموحية بالهدى في الوجود ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) ، وبمثل هذه الفطرة السليمة ، وهذه البصيرة المفتوحة ، وعلى هذا النحو من الخلوص للحق ، ومن إنكار الباطل في قوة ، نرى إبراهيم حقيقة هذا الملك ، ملك السماوات والأرض ، ونطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون ، ونكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود ، ونصل بين قلبه وفطرته وموحيات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب ،لينتقل من درجة الإنكار على عبادة الآلهة الزائفة،إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق (١).
وبديهي أن من يكن هذا مقامه ، لا يعقل بحال من الأحوال ، أن يرى الكوكب فيقول : هذا ربي ، عن عقيدة ، فإبراهيم الخليل لأرشد من أن يعتقد ذلك ، قال الزجاج : هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله ، وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال : «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ» ، وقال عزوجل : (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي لم يشرك قط ، قال : والجواب عندي أنه قال «هذا ربي» على قولكم ، لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ، ونظير هذا قوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) ، وهو جلا وعلا واحد لا شريك له ، والمعنى : أين شركائي على قولكم (٢).
ومن العجيب ، كما يقول صاحب تفسير المنار ، أن ابن جرير اختار هذا القول ، مع تقريره القول المقابل له على أحسن وجه ، وهو الذي جزم به الجمهور ، من أنه كان مناظرا لقومه (٣) ، وقد احتج ابن جرير أولا بالرواية ،
__________________
(١) في ظلال القرآن ٢ / ١١٣٩.
(٢) تفسير القرطبي ص ٢٤٦١.
(٣) قال أبو جعفر في تفسيره (١١ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤) : وأنكر من غير أهل الرواية هذا القول الذي ـ