وهي ، كما يقول صاحب تفسير المنار ، لا تصلح حجة على دعوى شرك الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، ولو في الصغر ، على أنها مطلقة ، وثانيا : بالعبارة التي قالها بعد أفول القمر ، يعني قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (١).
وهناك وجه آخر للنظر ، وهو الذي جزم به الجمهور (٢) ، من أن ذلك كان في مقام المناظرة والحجاج لقومه ، وأن هذه الرؤية ، وهذا القول إنما كانا بعد بلوغ إبراهيم عليهالسلام ، وحين شرفه الله بالنبوة ، وأكرمه بالرسالة ، وقد حدث بين أصحاب هذا الرأي خلاف في تفسير الآية وتأويلها وما تحمل من معان ، فذكروا فيها وجوها :
الوجه الأول : أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أراد أن يستدرج قومه بهذا القول ، ويعرفهم جهلهم وخطأهم في تعظيم النجوم وعبادتها ، لأنهم
__________________
ـ روي عن ابن عباس وعمن روى عنه ، من أن إبراهيم قال للكوكب أو القمر : هذا ربي ، وقالوا : غير جائز أن يكون لله نبي ابتعثه بالرسالة ، أتى عليه وقت من الأوقات وهو بالغ ، إلا هو لله موحد ، وبه عارف ، ومن كل ما يعبد من دونه بريء ، قالوا : ولو جاز أن يكون قد أتى عليه بعض الأوقات وهو به كافر ، لم يجز أن يختصه بالرسالة ، لأنه لا معنى فيه إلا وفي غيره من أهل الكفر به مثله ، وليس بين الله وبين أحد من خلقه مناسبة ، فيحابيه باختصاصه بالكرامة ، قالوا : وإنما أكرم من أكرم منهم لفضله في نفسه ، فأثابه لاستحقاقه الثواب بما أثابه من الكرامة ، وزعموا أن خبر الله عن قيل إبراهيم عند رؤيته الكوكب أو الشمس أو القمر «هذا ربي» لم يكن لجهله بأن ذلك غير جائز أن يكون ربه ، وإنما قال ذلك على وجه الإنكار منه أن يكون ذلك ربه ، وعلى العيب لقومه في عبادتهم الأصنام ، إذ كان الكوكب والقمر والشمس أضوأ وأحسن وأبهج من الأصنام ، لوم تكن مع ذلك معبودة ، وكانت آفلة زائلة غير دائمة ، فالأصنام التي هي دونها في الحسن وأصغر منها في الجسم ، أحق أن لا تكون معبودة ولا آلهة ، قالوا : وإنما قال ذلك لهم ، معارضة.
(١) سورة الأنعام : آية ٧٧ ، تفسير المنار ٧ / ٤٦٥.
(٢) انظر : تفسير ابن كثير ٢ / ٢٤٢ ، تفسير القرطبي ص ٢٤٦١ تفسير الكشاف ٢ / ٣١ ، تفسير البحر المحيط ٤ / ١٦٧ ، تفسير الفخر الرازي ١٣ / ٤٧ ، تفسير المنار ١١ / ٤٦٥.