كانوا يرون أن الأمر كله إليها ، لا إلى الله خالقهم ، فأراهم إبراهيم تعظيمه ما يعظمون ، فلما أفل الكوكب ، وأفل القمر ، وأفل الشمس ، أراهم النقص الداخل على النجوم بسبب الغيبوبة والأفول ، ليثبت خطأ ما كانوا يعتقدون فيها من الألوهية (١) ، ويقول الأستاذ النجار : ويرى فريق من الناس أنها تدرج في تكوين العقيدة ، ذلك أن القوم كانوا يعبدون الأصنام ينحتونها على أسماء الكواكب كالشمس والقمر ونحوهما ، فأراد أن يلزمهم أن الكواكب والشمس والقمر لا تصلح لأن تكون آلهة ، وإنما الإله هو الذي خلقهن وخلق السماوات والأرض ، وبيده ملكوت كل ما فيهما ، وأن التماس الصحة والعافية والرزق من غيره تعالى باطل (٢).
ويقول الإمام ابن كثير : والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، كان في هذا المقام مناظرا لقومه ، مبينا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام ، فبيّن في المقام الأول مع أبيه خطأهم في عبادة الأصنام الأرضية التي هي على صور الملائكة السماوية ليشفعوا لهم إلى الخالق العظيم ، الذين هم عند أنفسهم أحقر من أن يعبدوه ، وإنما يتوسلون إليه بعبادة ملائكته ، ليشفعوا لهم عنده في الرزق والنصر ، وغير ذلك مما يحتاجون إليه ، وبيّن في المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل ، وهي الكواكب السيارة السبعة المتحيّرة ، وهي القمر وعطارد والشمس والمريخ والمشتري وزحل ، وأشدهم إضاءة وأشرفهن عندهم : الشمس ثم القمر ثم الزهرة ، فبيّن أولا صلوات الله وسلامه عليه ، أن هذه الزهرة لا تصلح للإلهية ، فإنها مسخرة مقدرة بسير معين ، لا تزيغ عنه يمينا ولا شمالا ، ولا تملك لنفسها تصرفا ، بل هي جرم من الأجرام خلقها الله منيرة ، لماله في ذلك من الحكم العظيمة ، وهي تطلع من الشرق ثم تسير فيما بينه وبين المغرب حتى تغيب عن
__________________
(١) محمد حسنى : المرجع السابق ص ٤٠ ـ ٤١.
(٢) عبد الوهاب النجار : قصص الأنبياء ـ القاهرة ص ٨٠.