الأبصار فيه ، ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال ، ومثل هذه لا تصلح للإلهية ، ثم انتقل إلى القمر فبيّن فيه مثل ما بيّن في النجم ، ثم انتقل إلى الشمس كذلك ، فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع عليه الأبصار ، وتحقق ذلك بالدليل القاطع : «قالَ : يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» أي أنا بريء من عبادتهن وموالاتهن ، فإن كانت آلهة فكيدوني بها جميعا ثم لا تنظرون «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ، أي إنما أعبد خالق هذه الأشياء ومخترعها ومسخرها ومقدرها ومدبرها ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، وخالق كل شيء ، وربه ومليكه وإلهه ، كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (١).
وقال الإمام الزمخشري : كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والكواكب ، فأراد أن ينبههم على ضلالهم ويرشدهم إلى الحق من طريق النظر والاستدلال ، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى ألا يكون شيء منها إلها ، وأن وراءها محدثا أحدثها ، ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها ، وقوله : «هذا ربي» قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ، فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ، لأن ذلك أدعى إلى الحق ، ثم يكر عليه فيبطله بالحجة (٢) ، وقال أبو حيان في بحره : لما أوضح لكم أن هذا الكوكب الذي رآه لا يصلح أن يكون ربا ، ارتقب ما هو أنور منه وأضوأ ، فرأى القمر أول طلوعه ، ثم لما غاب ارتقب الشمس إذ كانت أنور من القمر وأضوأ ، وأكبر
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٢ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.
(٢) تفسير الكشاف ٢ / ٣١.