جرما وأعم نفعا ، فقال ذلك على سبيل الاحتجاج عليهم ، وبيّن أنها مساوية للنجم في صفة الحدوث (١).
وأما الوجه الثاني : فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، قال هذا على سبيل الاستفهام الإنكاري والتوبيخ للقوم ، وتقديره أهذا ربي الذي تزعمون ، وقد جرى العرف على إسقاط حرف الاستفهام ، وهو كثير في كلامهم ، ومن هذا القبيل ، قوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) ، يعني أفهم الخالدون ، والمعنى فيما نحن بصدده ، أيكون هذا ربا ، ودلائل النقص فيه ظاهرة. ويقول الإمام النسفي : كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب ، فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم ، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى شيئا منها ليس بإله ، لقيام دليل الحدوث فيها ، ولأن محدثا أحدثها ، ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها ، فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه قال : «هذا ربي» أي قال لهم : هذا ربي في زعمكم ، أو المراد أهذا استهزائهم ، وإنكار عليهم ، والعرب تكتفي عن حرف الاستفهام بنغمة الصوت ، والصحيح أن هذا قول من ينصف خصمه ، مع علمه أنه مبطل ، فيحكي قوله ، كما هو ، غير متعصب لمذهبه لأنه أدعى إلى الحوار ، وأنجى من الشعب ، ثم يكر عليه بعد حكايته ، فيبطله بالحجة ، فلما أفل قال : «لا أحب الآفلين» أي لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال ، لأن ذلك من صفات الأجسام ، «فلما رأى القمر بازغا قال : هذا ربي ، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين» ، نبه قومه على أن من اتخذ القمر إلها ، فهو ضال ، وإنما احتج عليهم بالأفول دون البزوغ ، وكلاهما انتقال من حال إلى حال ، لأن الاحتجاج به أظهر ، لأنه انتقال مع
__________________
(١) تفسير البحر المحيط ٤ / ١٦٧.