خفاء واحتجاب ، فلما رأى الشمس بازغة قال : «هذا ربي» ، وإنما ذكره لأنه أراد الطالع ، أو لأنه جعل المبتدأ مثل الخبر ، لأنهما شيء واحد معني ، وفيه صيانة الرب عن شبهة التأنيث ، ولهذا قالوا : في صفات الله تعالى علام ، ولم يقولوا علامة ، وإن كان الثاني أبلغ ، تفاديا من علامة التأنيث ، «فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» ، أي من الأجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها (١).
وأما الوجه الثالث : لو كان إلها ، كما تزعمون ، لما غاب ، فهو كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ، يعني عند نفسك وبزعمك ، وقد جرى العرب على إضمار القول ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ ، رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا).
وأما الوجه الرابع : أن في هذه الآية إضمارا تقديره : يقولون : هذا ربي ، أي يقولان : ربنا تقبل منا (٢).
على أن هناك أخيرا وجها خامسا ، يذهب إلى أن الله سبحانه وتعالى قال في حق إبراهيم : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، هذا فضلا عن تشبيه إراءة الله تعالى إياه هذا الملكوت وما يترتب عليه من إبطال ربوبية الكواكب بإراءته ضلال أبيه وقومه في عبادة الأصنام ، ومن إسناد هذه الإراءة إلى الله تعالى الدال على تمييز ما رأى بها على ما كان يرى قبلها ، ومن تعليل الإراءة بما تقدم ، ومن التعقيب على ذلك بمحاجة قومه ، وقوله تعالى إنه آتاه الحجة عليهم (٣) ، كل هذا وغيره ، فضلا عن منزلة إبراهيم العالية عند الله تعالى ، واتخاذ إياه خليلا ، وأنه كان أمة قانتا لله
__________________
(١) تفسير النسفي ٢ / ١٩ ـ ٢٠.
(٢) محمد حسني : المرجع السابق ص ٤١.
(٣) تفسير المنار ٧ / ٤٦٥.