حنيفا ، ثم أمر الله تعالى لأشرف خلقه سيدنا ومولانا وجدنا محمد ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أن اتبع ملة إبراهيم (١) ، كل ذلك وغيره من أوصاف إبراهيم من القرآن الكريم ، إنما يؤكد ، التأكيد كل التأكيد ، أنه من المحال ، بحال من الأحوال ، أن يعبد إبراهيم الكواكب ، ويتخذها ربا ، وأما قوله : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين» ، فإن الأنبياء ، عليهمالسلام لا يسألون الله التثبيت ، ومنه قوله : «واجنبني وبنّي أن نعبد الأصنام».
وأخيرا ، وكما يقول ابن كثير في تفسيره : كيف يكون إبراهيم ناظرا في هذا المقام ، وهو الذي قال الله في حقه : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ ، إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) (٢) ، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «كل مولود يولد على الفطرة» ، وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قال الله إني خلقت عبادي حنفاء» ، وقال تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) ، وقال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالُوا بَلى) ، فإذا كان في حق سائر الخلق ، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ، ناظرا في هذا المقام ، بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة ، والسجية المستقيمة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بلا شك ولا ريب ، ومما يؤيده أنه كان في هذا المقام مناظرا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك ، لا ناظرا ، قوله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ ، إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً ، وَسِعَ رَبِّي كُلَ
__________________
(١) انظر : سورة النساء : آية ١٢٥ ، الأنعام : آية ١٦١ ، هود : آية ٧٥ : النحل : آية ١٢٠ ، ١٢٣ ، الأنبياء : آية : ٥١ ، الممتحنة : آية ٤.
(٢) سورة الأنبياء : آية ٥١ ـ ٥٢ ، وانظر : العمران : آية ٩٥ ، النساء : آية ٩٥ ، النساء : آية ١٢٥ ، الأنعام : آية ١٦١ ، النحل : آية ١٢٠ ـ ١٢٣.