شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ ، وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ، وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ، نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ ، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١).
وهكذا يختم القرآن الكريم هذا الفصل من قصة إبراهيم مع قومه (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) يعني ما جرى بين إبراهيم وقومه ، واستدل به على حدوث الكواكب والشمس والقمر بالأفول ، وكانت هذه هي الحجة التي ألهمها الله تعالى إبراهيم ليدحض بها حجتهم التي جاءوا بها يجادلونه ، ولقد كشف لهم عن وهن ما هم عليه من تصورهم أن هذه الآلهة تملك أن تسيء إليه ، وواضح أنهم ما كانوا يجحدون وجود الله ، ولا أنه صاحب القوة والسلطان في الكون ، ولكنهم كانوا يشركون به هذه الآلهة ، فلما واجههم إبراهيم بأن من كان يخلص نفسه لله ، لا يخاف من دونه ، فأما من يشرك بالله فهو أحق بالمخافة ، لما واجههم بهذه الحجة التي آتاها الله له وألهمه إياها ، سقطت حجتهم ، وعلت حجته ، وارتفع إبراهيم على قومه عقيدة وحجة ومنزلة ، وهكذا يرفع الله من يشاء درجات ، متصرفا في هذا بحكمته وعلمه (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٢).
وهكذا يبدو واضحا من هذه المناظرة التي دارت بين إبراهيم وقومه ، أن الأنبياء ، عليهمالسلام ، قد عمدوا إلى طرق خاصة في الإقناع ، وأن أبي الأنبياء ، عليهالسلام ، قد عمد إلى طريقة تدل على صفاء ذهنه ، وسرعة بديهته ، وهي طريقة المجاراة والتظاهر بالتصديق ، ليصل إلى غايته ، وهي إظهار فساد تلك العبادات ، وكاشفة عابديها بأن آلهتهم غير جديرة بالعبادة أو
__________________
(١) سورة الأنعام : آية ٨٠ ـ ٨٣ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ (بيروت ١٩٨٦).
(٢) في ظلال القرآن ٢ / ١١٤٢.