وهكذا تشير هذه الآيات الكريمة بوضوح إلى دعوة أبي الأنبياء ، سيدنا إبراهيم صلىاللهعليهوسلم مرسومة الخطوط واضحة المعالم ، بشر فيها وأنذر ، غير أن القوم قد تملكهم الغرور ، وركبوا رءوسهم ، وقد عزّ عليهم أن يرجعوا إلى الحق أو يثوبوا إلى الرشد ، وهم يحسبون أن آلهتهم تنجيهم من عذاب أليم ينتظرهم ، ولم تكن تلك الآلهة التي أصموا آذانهم عن كلمة الحق فيها ، غير نصب وأوثان من خشب وحجارة لا تنفع ولا تضر ، لكنهم كانوا يعظمونها ويقدسونها ، ويقدمون لها القرابين ، ويركعون أمامها ويسجدون ، ومن ثم فقد أعدوا عدتهم لمقاومة دعوة إبراهيم ، حفاظا على أوثانهم وأصنامهم.
وهنا لعل من الأفضل هنا أن نناقش موقف إبراهيم عليهالسلام منهم ومن أوثانهم ، وكذا موقفهم منه ، عليهالسلام ، في شقين ، الأول مع أبيه ، والآخر مع قومه :
(أ) بين إبراهيم وأبيه : ـ كان والد إبراهيم في طليعة عابدي الأصنام وصانعيها من الأخشاب ، والداعين لها ، وكان يعرضها على الناس ليشتريها منه من يرغب فيها ، وقد عزّ على إبراهيم أن يكون والده (١) زعيما من زعماء المشركين ، وإماما من أئمة الإفك المبين ، وهو أقرب قومه إليه ، وأولى الناس بتصديق دعوته ، والإيمان برسالته ، فرأى إبراهيم عليهالسلام من واجبه أن يبصر والده بأمره ، ويحذره عاقبة كفره بما فيه الخير له ، برأيه ، وحرصا على أن يكون مسلكه سليما ، فيتبع الدين القويم والطريق المستقيم ، وقرر أن تكون مفاتحته والده في الأمر بالحسنى ، إذ ما كان له أن يرشده إلى الحق بغيرها ، وهو المؤمن بما للأبوة من جليل القدر ، ورفعة الشأن.
__________________
ـ الأنعام : آية ٧٤ ، مريم : آية ٤١ ـ ٤٨ ، الشعراء : آية ٦٩ ـ ٨٩ ، الصافات : آية ٨٣ ـ ٩٩).
(١) انظر الآراء التي دارت حول «آزر» وهل هو والد الخليل أم عمه؟ (محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٥٣ ـ ٦١.