عليه. فقال الشيطان أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه ، قالوا افعل فصوّره في المسجد من صفر ورصاص ، ثم مات آخر ، فصوره ، حتى ماتوا كلهم فصوّرهم ، وتنقصت الأشياء كما تنتقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين ، فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئا ، قالوا وما نعبد ، قال : آلهتكم وآلهة آبائكم ، ألا ترون في مصلاكم ، فعبدوها من دون الله ، حتى بعث الله نوحا فقالوا : «لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ، وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس أيضا : بل كانوا قوما صالحين من آدم ونوح ، وكان لهم تبع يقتدون بهم ، فلما ماتوا زيّن لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم ، وليتسلوا بالنظر إليها ، فصوروهم ، فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا ، هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها ، فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر ، فعبدوها ، فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت.
ويقول الإمام القرطبي : وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية فيها تصاوير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أولئك كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» (١).
ومن أجل هذا كله ، جاءت الشريعة الإسلامية الغراء تحظر التصوير باليد لكل ذي روح ، وتحرم اتخاذ التماثيل أيا كان الغرض منها ، روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس عن أبي طلحة رضي الله
__________________
(١) تفسير القرطبي ص (٦٧٨٦ ـ ٨٦٨٧) ، تفسير ابن كثير (٤ / ٦٦٦ ـ ٦٦٧) ، تفسير النسفي ٤ / ٢٩٧ ، صفوة التفاسير ٣ / ٤٥٤ ، تفسير جزء تبارك ض (١٣٥ ـ ١٣٧).