جعل الله فيها حرا يمنع بردها ، وبردا يمنع حرها ، فصارت سلاما عليه ، قال أبو العالية : ولو لم يقل «بردا وسلاما» ، لكان بردها أشد عليه من حرها ، ولو لم يقل «على إبراهيم» لكان بردها باقيا على الأبد (١).
وروى عن الإمام علي وابن عباس : لو لم يتبع بردها سلاما ، لمات إبراهيم من بردها ، ولم تبق يومئذ نار إلا أطفئت ، ظنت أنها تعني ، وعن ابن عباس : لوم لم يقل ذلك لأهلكته ببردها ، والمعنى ، كما يقول الإمام النسفي ، أن الله تعالى نزع عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحر والإحراق ، وأبقاها على الإضاءة والإشراق كما كانت ، وهو على كل شيء قدير (٢).
وروى الحافظ أبو يعلي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما ألقى إبراهيم عليهالسلام في النار ، قال : اللهم إنك في السماء واحد ، وأنا في الأرض واحد أعبدك» ، ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال : لا إله إلا أنت سبحانك ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك» (٣).
وقال سعيد بن جبير ـ ويروى أيضا عن ابن عباس ـ قال : لما ألقى إبراهيم ، جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله؟ قال : فكان أمر الله أسرع منه ، قال الله : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) ، قال : لم يبق نار في الأرض إلا طفئت ، وقال كعب الأحبار : لم ينتفع أحد يومئذ بنار ، ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه.
وقال كعب وقتادة والزهري : ولم تبق يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار ، إلا الوزغ ، فإنها كانت تنفخ عليه ، فلذلك أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بقتلها وسماها فويسقة ، وروى ابن أبي حاتم عن مولاة الفاكه بن المغيرة
__________________
(١) تفسير القرطبي ص ٤٣٤٣ ـ ٤٣٤٤.
(٢) تفسير القرطبي ص ٤٣٤٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٨٤.
(٣) تفسير ابن كثير ٣ / ٢٩٤ ، تفسير الدر المنثور ٤ / ٣٢٣ ، تفسير القرطبي ص ٤٣٤٣.