إبراهيم في ربه ، وكأنما مشهد الحوار يعاد عرضه من ثنايا التعبير القرآني العجيب (١).
وجاء في تفسير المنار : قال الأستاذ الإمام (أي الإمام محمد عبده) ـ وعزاه إلى المحققين ، الكلام متصل بما قبله ، وشاهد عليه ، كأنه يقول : انظروا إلى إبراهيم كيف كان يهتدي بولاية الله له إلى الحجج القيمة والخروج من الشبهات التي تعرض عليه ، فيظل على نور من ربه ، وإلى الذي حاجه كيف كان بولاية الطاغوت له ، يعمى عن نور الحجة وينتقل من ظلمات الشبه والشكوك إلى أخرى ، قالوا : الاستفهام في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) ، للتعجيب من هذه المحاجة وغرور صاحبها وغباوته ، مع الإنكار (٢).
ويقول صاحب الظلال : إن هذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرا لوجود الله أصلا ، إنما كان منكرا لوحدانيته في الألوهية والربوبية ، ولتصريفه للكون وتدبيره لما يجري فيه وحده ، كما كان بعض المنحرفين في الجاهلية يعترفون بوجود الله ، ولكنهم يجعلون له أندادا ينسبون إليها فاعلية وعملا في حياتهم ، وكذلك كان منكرا أن الحاكمية لله وحده ، فلا حكم إلا حكمه في شئون الأرض وشريعة المجتمع (٣) ، على أن الأستاذ النجار إنما يذهب إلى أن قصة إبراهيم المحكية في القرآن إنما تشعرنا أن هؤلاء القوم إنما كانوا يعبدون ملوكهم مع آلهتهم ، يدل على ذلك المحاجة التي كانت بين إبراهيم وبين الملك ، فأحب الملك أن يرجع إبراهيم عن نحلته الجديدة المخالفة لنحلة قومه ، وأن يعبده وآلهته (٤).
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ / ٢٩٧.
(٢) تفسير المنار ١١ / ٣٩.
(٣) في ظلال القرآن ١ / ٢٩٧.
(٤) عبد الوهاب النجار : المرجع السابق ص ٨١.