يمتار فقال له : من ربك وإلهك ، فقال : ربي الذي يحيي ويميت ، فلما سمعها نمرود قال : أنا أحي وأميت ، فعارضه إبراهيم بأمر الشمس فبهت الذي كفر ، وقال : لا تميروه ، فرجع إبراهيم إلى أهله دون شيء ، فمر على كثيب رمل كالدقيق ، فقال في نفسه : لو ملأت غرارتي من هذا ، فإذا دخلت به فرح الصبيان حتى أنظر لهم ، فذهب بذلك ، فلما بلغ منزله فرح الصبيان وجعلوا يلعبون فوق الغرارتين ، ونام هو من الإعياء ، فقالت امرأته : لو صنعت له طعاما يجده حاضرا إذا انتبه ، ففتحت إحدى الغرارتين فوجدت أحسن ما يكون من الحواري (الدقيق الأبيض ، وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه) فخبزته ، فلما قام وضعته بين يديه فقال : من أين هذا؟ ، فقالت : من الدقيق الذي سقت ، فعلم إبراهيم أن الله تعالى يسر لهم ذلك (١).
وأما وقت هذه المحاجة فهو موضع خلاف ، فذهب رأي إلى أن ذلك إنما كان بعد أن كسر إبراهيم الأصنام التي كانت تعبد من دون الله ، وسفه أحلام عابديها (٢) ، وذهب رأي آخر إلى أنها كانت بعد خروج إبراهيم من النار ، ولم يكن إبراهيم اجتمع بالملك إلا في ذلك اليوم ، فجرت بينهما هذه المناظرة (٣) ، على أنه قد يفهم من رواية ابن الأثير أن ذلك كان قبل تكسيره الأصنام (٤).
وأما هذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه ، فهو ، فيما يرى كثير من المفسرين والمؤرخين ، «النمرود بن كنعان بن كوش» ، والذي كان ، فيما يزعمون ، واحدا من ملوك أربعة ملكوا الأرض كلها : نمرود وبختنصر
__________________
(١) تفسير القرطبي ص ١٠٩٢ ـ ١٠٩٣ ، وانظر : تفسير الطبري ٥ / ٤٣٣ ـ ٤٣٤ ، تفسير ابن كثير ١ / ٤٦٩.
(٢) تفسير المنار ١١ / ٣٩.
(٣) تفسير ابن كثير ١ / ٤٦٩.
(٤) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ١ / ٩٦.