(نبوخذ نصر) وهما كافران ، وسليمان بن داود وذي القرنين ، وهما مؤمنان ، كما كان نمرود هذا أول جبار تجبر في الأرض ، وأول ملك في الأرض ، وهو كذلك صاحب الصرح في بابل ، وأول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل ، إلى غير ذلك من صفات أسبغت عليه ، ولا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى ، من أين أتى بها مؤرخونا ، وكثير منهم ممن يعتد بهم ، ولهم مكانة عالية في التاريخ ، فضلا عن التفسير (١).
والواقع أن تلك الأسطورة التي تتردد في المصادر العربية عن الملوك الأربعة الذين حكموا الدنيا بأسرها (٢) تتفق والحقائق التاريخية المتعارف عليها ، بحال من الأحوال ، فأول هؤلاء الملوك ، وهو نمرود ، والذي يهمنا هنا ، قد لا يعلم أصحاب هذه الأسطورة أن التاريخ البابلي لا يعرف ملكا بهذا الاسم ، حتى الآن على الأقل ، ولست أدري من أين جاء به أصحابنا المؤرخون الإسلاميون ، وأكبر الظن أنهم أخذوه من مسلمة أهل الكتاب ، حيث جاء في توراة يهود «وكوش ولد نمرود الذي ابتدأ يكون جبارا في الأرض ... وكان ابتداء مملكته بابل وأرك وأكد وكأنه في أرض شنعار» (٣) ، على أن التاريخ يعرف بلدا باسم «نمرود» ، على مجرى الزاب الأعلى ، وقد كانت عاصمة للامبراطورية الآشورية على أيام الملك «سرجون الثاني» (٧٢٢ ـ ٧٠٥ ق. م) ، وهي نفسها مدينة «كالح» في التوراة (٤) ، والتي أسسها «آشور بانيبال الثاني» عام ٨٨٣ ق. م ، وتقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة ، وعلى مبعدة ٢٢ ميلا جنوب الموصل الحالية ، وهكذا خلط كاتب سفر التكوين من التوراة بين الملك والمدينة ،
__________________
(١) انظر : تفسير الطبري ٥ / ٤٣١ ـ ٤٣٣ ، تفسير القرطبي ص ١٠٩٢ ، تفسير ابن كثير ١ / ٤٦٨ ، تاريخ الطبري ١ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، تاريخ ابن الأثير ١ / ٩٤ ، أبو الفداء ١ / ١٣ ، المقدسي ٣ / ٤٥ ـ ٤٨ ، تاريخ الخميس ص ٨٩ ـ ٩١ ، مروج الذهب ١ / ٥٦ ، المحبر ص ٣٩٢ ـ ٣٩٤ ، ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ١٤٨.
(٢) تكوين ١٠ / ٨ ـ ١٠.
(٣) تكوين ١٠ / ٨ ـ ١٠.
(٤) تكوين ١٠ / ٧١١.