آمنت ، ولكنني أطلب ذلك ليطمئن قلبي ، يعني ليزيد سكونا وطمأنينة بمظاهرة المحسوس للمعقول ، فتفضل الله عليه بإعطائه الدليل القائم على الحس والعيان ، لمظاهرة الدليل القائم على الحجة والبرهان (١).
ويقول صاحب الظلال : إنه التشوف إلى ملامسة سر الصنعة الإلهية ، وحين يجيء هذا التشوف من إبراهيم الأواه الحليم ، المؤمن الراضي الخاشع العابد القريب الخليل ، فإنه يكشف عما يختلج أحيانا من الشوق والتطلع لرؤية أسرار الصنعة الإلهية في قلوب أقرب المقربين ، إنه تشوف لا يتعلق بوجود الإيمان وثباته وكماله واستقراره ، وليس طلبا للبرهان أو تقوية الإيمان ، إنما هو أمر الشوق الروحي إلى ملابسة السر الإلهي في أثناء وقوعه العملي ، ومذاق هذه التجربة في الكيان البشري مذاق آخر غير مذاق الإيمان بالغيب ، ولو كان إيمان إبراهيم الخليل ، الذي يقول لربه ، ويقول له ربه ، وليس وراء هذا إيمان ، ولا برهان للإيمان ، ولكنه أراد أن يرى يد القدرة وهي تعمل ، ليحصل على مذاق هذه الملابسة فيتروح بها ، ويتنفس في جوها ، ويعيش معها ، وهي أمر آخر غير الإيمان الذي ليس بعده أيمان (٢).
هذا وقد اختلف المفسرون في السبب المباشر لتوجيه الخليل هذا السؤال لربه سبحانه وتعالى ، فذهب فريق إلى أن إبراهيم عليهالسلام مر على دابة ميتة قد توزعتها دواب البر والبحر ، قال : «رب أرني كيف تحيي الموتى» ، وقال الحسن وعطاء الخرساني والضحاك ، فيما يروي الواحدي عن سعيد عن قتادة ، وابن جريج : كانت جيفة حمار بساحل البحر (بحيرة طبرية في رواية عطاء) قالوا : فرآها قد توزعتها دواب البر والبحر ، فكان إذا مدّ البحر جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها ، فما وقع منها يقع في
__________________
(١) أحمد حسن الباقوري : مع القرآن ـ القاهرة ١٩٧٠ ص ١٩٧ ـ ١٩٨.
(٢) في ظلال القرآن ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢.