الماء ، وإذا جذر البحر جاءت السباع فأكلت منها فما وقع منها يصير ترابا ، فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها ، فما سقط قطعته الريح في الهواء ، فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها وقال : يا رب قد علمت لتجمعنها ، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك.
وقال ابن زيد : مرّ إبراهيم بحوت ميت ، نصفه في البر ، ونصفه في البحر ، فما كان في البحر فدواب البحر تأكله ، وما كان منه في البر فدواب البر تأكله ، فقال له إبليس الخبيث : متى يجمع الله هذه الأجزاء من بطون هؤلاء ، فقال : رب أرني كيف تحيي الموتى ، قال : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي ، بذهاب وسوسة إبليس منه (١).
وقد أراد الخليل عليهالسلام أن يصير له علم اليقين عين اليقين ، لأن الخير ليس كالمعاينة فتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يحييه ربه ، ولم يكن إبراهيم عليهالسلام ، ولن يكون ، شاكا في قدرة الله تعالى على أحياء الموتى ، ولكنه أحب أن يصير له الخبر عيانا ، قال الأخفش : لم يرد رؤية القلب ولكن أراد رؤية العين ، وقال الحسن البصري وقتادة وسعيد بن جبير والربيع : سأل ليزداد يقينا على يقينه (٢).
على أن هناك وجها آخر للنظر يذهب إلى أن مسألة إبراهيم ربه ذلك المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين النمرود في ذلك ، قال محمد بن إسحاق بن يسار : إن إبراهيم لما احتج على نمرود فقال : ربي الذي يحيي ويميت ، وقال النمرود : أنا أحيي وأميت ، ثم قتل رجلا وأطلق رجلا ، قال : قد أمت هذا ، وأحييت هذا ، قال له إبراهيم : فإن الله يحيي بأن يرد الروح إلى جسد ميت ، فقال له نمرود : هل عاينت هذا الذي تقوله ، ولم يقدر أن يقول
__________________
(١) علي بن أحمد الواحدي النيسابوري : أسباب النزول ص ٥٣ ـ ٥٤.
(٢) تفسير القرطبي ص ١١٠٦ ، وانظر : تفسير الطبري ٥ / ٤٨٥ ـ ٤٨٦.