فالدعوة السماوية التي هي أول ما أنزل على البشر ، وبلغ إليهم ، هي مطوية في ثلاث كلمات فقط : إيمان وتقوى وطاعة ، بالإيمان ينتظم أمر عقائد الأمة فتسلم من الخرافات والأوهام ، وبالتقوى ينتظم أمر أخلاقها وآدابها فتسلم من السقوط والفساد ، وبالطاعة ينتظم أمر اتحاد كلمتها وعلو شأنها ، فتسلم من الانحلال والضياع ، وما زالت الأمم على سلم هذه الأركان السماوية تعلو في الحياة الاجتماعية وتسقط ، وترقى في العزة والغلبة وتهبط ، وآية ذلك التاريخ ، فهو الشاهد العدل ، وإليه في هذه المسألة القول الفصل (١).
وهكذا أرسل الله تعالى نوحا إلى قومه ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده ، وإفراده بالشكر والضراعة ، وترك ما هم عليه من عبادة الموروثات الباطلة ، وأفرغ عليهم من طيب كلامه ليستميلهم إليه ، ويذعنوا لدعوته ، ويؤمنوا بها ، وكان نوح عليهالسلام ، رجلا فتيق اللسان ، عظيم الأناة ، صابرا على الجدل ، بصيرا بمسالك الإقناع ، قادرا على تصريف الحجج ، لكن روح الضلال والتقليد المتسلطة على المعاندين المستكبرين من قومه أبت عليهم أن يعرفوا طريق الهداية ، وتحجرت قلوبهم فلم تلن لدعوته ، ولم تنقد لرجائه ، كان ، عليهالسلام ، كلما دعاهم إلى الله أعرضوا ، وإذا أنذرهم بالعذاب والويل عموا وصموا ، وإذا رغبهم في ثواب الله ورضائه استهانوا وسخروا منه واستكبروا ووضعوا أصابعهم في آذانهم (٢) ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً ، وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) (٣).
__________________
(١) عبد القادر المغربي : تفسير جزء تبارك ـ المطبعة الأميرية ـ القاهرة ١٩٤٧ ص ١٢٢.
(٢) سعد صادق : من قصص الأنبياء في القرآن ـ القاهرة ١٩٦٩ ص ٣٧.
(٣) سورة نوح : آية ٥ ـ ٧.