وقد انقسم المفسرون في ابن نوح هذا إلى فرق ، ففريق يرى أنه ولد على فراشه ولم يكن ابنه ، قال قتادة : سألت الحسن (أي الحسن البصري) عنه فقال : والله ما كان ابنه ، قلت إن الله أخبر عن نوح إنه قال : «إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» ، فقال : لم يقل مني ، وهذه إشارة إلى أنه كان ابن امرأته من زوج آخر ، فقلت له : إن الله حكى عنه إنه قال : «إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» و «وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ» ، ولا يختلف أهل الكتاب إنه ابنه ، فقال الحسن : ومن يأخذ دينه عن أهل الكتاب ، إنهم يكذبون ، وقرأ «فخانتاهما» ، وقال ابن جريج : ناداه وهو يحسب أنه ابنه ، وكان ولد على فراشه ، وكانت امرأته خانته فيه ، ولهذا قال : «فخانتاهما» (١).
هذا وقد استهجن كثير من علماء السلف والخلف هذا الإتجاه ، فقال ابن عباس ـ حبر الأمة وترجمان القرآن ـ «ما بغت امرأة نبي قط» ، وقال الإمام الرازي في التفسير الكبير : والقائلون بهذا القول (أي أنه ولد على فراشه لغير رشده) فقد احتجوا بقوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط «فخانتاهما» فليس فيه أن تلك الخيانة إنما حصلت بالسبب الذي ذكروه ، قيل لابن عباس ، رضياللهعنه ، ما كانت تلك الخيانة؟ فقال : كانت امرأة نوح تقول : زوجي مجنون ، وامرأة لوط تدل الناس على ضيفه إذا نزلوا ، وفي تفسير الطبري : عن سليمان بن قتة قال : سمعت ابن عباس يسأل ، وهو إلى جنب الكعبة ، عن قوله تعالى : (فَخانَتاهُما) ، قال : أما إنه لم يكن بالزنا ، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ، وكانت هذه تدل على الأضياف ، ثم قرأ «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ» ، ثم الدليل القاطع على فساد هذا المذهب ، قوله تعالى :
__________________
٣٢٧٦ ، تفسير الطبري ١٥ / ٣٣١ ـ ٣٥٢ ، تفسير النسفي ٢ / ١٨٨ ـ ١٩٢ ، تفسير المنار ١٢ / ٦٥ ـ ٨٤ ، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ٣ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، صفوة التفاسير ٢ / ١٦ ـ ١٩ ، التسهيل ٢ / ١٠٦ ـ ١٠٧.
(١) تفسير القرطبي ص ٣٢٧٤.