لقصة ـ فيما يبدو ـ بعد هجرتهم إلى وادي الفرات عن السومريين (١) الذين سكنوا المنطقة قبلهم (٢).
وأما سبب الفيضان ، فلا يعسر علينا إدراكه ، ولا سيما في بلد تكثر فيه الفيضانات الفجائية كالقسم الجنوبي من العراق ، ولكن طوفانا كبيرا كالذي تحدثت عنه المصادر لسومرية والبابلية هو دون شك حدث عظيم وقع قبيل تغلب الإنسان على الأنهار ، بما أنشأه من السدود وأعمال الإرواء ، وأن هطول الأمطار كان مصحوبا بعواصف مدمرة (٣).
وتتضمن قصة الطوفان السومرية عدة وقائع هامة ، يتعلق أول ما يمكن قراءته من سطورها بخلق الإنسان والنبات والحيوان ، وبأصل الملكية السماوي ، فضلا عن خمس مدن ترجع إلى ما قبل فترة الطوفان ، ومن أسف أن من بين اللوحات التي تتناول القصة لم تبق سوى لوحة واحدة ، وحتى هذه فإن ما بقي منها لا يعدو ثلثها الأخير فحسب ، وقد فقدت المقدمة والنهاية الخاصة بذلك النص ، ومن ثم فإنه غامض في أكثر نواحيه ، هذا ويقدر عدد الأسطر التي يتكون منها النص في جملته بحوالي ثلاثمائة سطر ، لم يعثر إلا على حوالي المائة منها ، ورغم ذلك فانها تقدم لنا الخطوط الرئيسية للنص.
__________________
(١) السومريون : يتفق المؤرخون على أن السومريين جنس غير سامي ، وأن لغتهم غريبة لا تشبه اللغات السامية ، ولا يعلم زمن مجيئهم إلى وادي الرافدين ، وإن رأى البعض أن ذلك ربما كان في فترة مبكرة من الألف الرابعة ق. م. ، (٦٤ ـ ١٥٦.p ، ١٩٤٨ ، ٥٢ ، AJA) وقد اختلفت الآراء في موطنهم الأصلي ، فقد ذكرت أساطيرهم أنهم جاءوا من الجنوب ، ومن ثم ذهب رأي إلى أنهم مهاجرون من منطقة ما تقع فيما بين شمال الهند وبين أفغانستان وبلوجستان عن طريق الخليج العربي وجزيرة البحرين بعد أن استقروا في غربي إيران فترة ما (عبد العزيز صالح : الشرق الأدنى القديم ج ١ ص ٨٣٨) ،) E.A.Speiser ,The Sumerian Problem revieved (وذهب رأي ثان إلى اعتبارهم بدوا مما وراء القوقاز أو مما وراء بحر قزوين ، ويرى «روتزني» أنهم جاءوا من آسيا الصغرى ، بينما رأى آخرون أنهم جاءوا من السند (أحمد فخري : دراسات في تاريخ الشرق القديم ص ٢٨) بل لقد ذهب طه باقر (المرجع السابق ص ٨٩ ـ ٩٠) إلى أنهم من الأقوام التي قطنت العراق في عصور ما قبل التاريخ ، وأن حضارتهم أصيلة في العراق ، بل ويمكن تسمية أهل حضارة «العبيد» بالسومريين ، على الرغم من أننا لا نعرف اللغة التي تكلم بها أهل حضارة العبيد.
(٢) جيمس فريزر : المرجع السابق ص ١٠٣.
(٣) مجلة سومر ـ المجلد السابع ١٩٥١ م ـ العدد الأول.