وهنا رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض ، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه ، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض ، وإن استثنى من ذلك نوحا ، لأنه «كان رجلا بارا كاملا في أجياله ، وسار نوح مع الله».
وتزداد شرور الناس ، وتمتلئ الأرض ظلما ، ويقرر الرب نهاية البشرية ، إذ تحدرت إلى شر وغواية ، ويحيط نوحا علما بما انتواه ، آمرا إياه بأن يصنع فلكا ضخما ، «ثلاثمائة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعا عرضه ، وثلاثين ذراعا ارتفاعه» ، وأن يكون طلاؤها بالقار والقطران من داخل ومن خارج ، حتى لا يتسرب إليها الماء ، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذى جسد حي ، ذكرا وأنثى ، فضلا عن امرأته وبنيه ونساء بنيه ، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك وما فيه (١).
ويكرر الرب أوامره لنوح في الإصحاح التالي ، فيأمره أن يدخل الفلك ومن معه ، «ومن جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة ذكرا وأنثى ، ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وأنثى ، ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة ذكرا وأنثى لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض» ، ذلك لأن الرب قرر أن يغرق الأرض ومن عليها وما عليها بعد سبعة أيام عن طريق مطر يسقط على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة ، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى السفين ومعه أهله واثنين من البهائم الطاهرة وغير الطاهرة ، فضلا عن الطيور وكل ما يدب على الأرض.
وفي اليوم السابع عشر من الشهر الثاني من عام ستمائة من حياة نوح بدأ الطوفان ، «وانفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء ، واستمر الطوفان أربعين يوما على الأرض» ، وتكاثرت المياه ورفعت الفلك عن الأرض وتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء ، خمس عشرة ذراعا في الارتفاع تعاظمت المياه ، ومات كل جسد كان يدب على الأرض ، من الناس ، والطيور والبهائم والوحوش وكل
__________________
(١) تكوين ٦ : ١ ـ ٢٢.