نجاته من الطوفان نبيذ العنب الذي غرس كرمه بيده ، ففقد وعيه وانكشفت سوأته ، فرآه ابنه حام على هذه الصورة فسخر منه وحمل الخبر إلى أخويه سام ويافث ، ولكن هذين كانا أكثر منه أدبا ، فحملا رداء وسارا به القهقرى نحو أبيهما وسترا عورته دون أن يبصراها ، فلما أفاق نوح من خمره ، وبان له ما فعله به حام ، لعن كنعان ودعا على نسله أن يكونوا عبيدا لعبيد أولاد سام ويافث (١).
وعاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة ، فكانت كل أيام نوح تسع مائة وخمسين سنة ومات (٢).
١ ـ مناقشة قصة التوراة عن الطوفان :
يجمع نقاد التوراة (العهد القديم) (٣) ، على أن أسطورة الطوفان العبرية كما هي مدونة في سفر التكوين تجمع بين قصتين متميزتين في أصلهما ، ومتناقضتين تناقضا جزئيا ، وقد مزج المؤلف بين القصتين لكي يكون منهما قصة واحدة متجانسة من ناحية الشكل ، ومع ذلك فقد مزج المؤلف بينهما بطريقة فجة للغاية ، بحيث لا يفوت القارئ ما فيهما من تكرار وتناقض ، حتى وإن كان القارئ غير مدقق في قراءته (٤).
وأما هذان المصدران اللذان أخذ سفر التكوين قصة الطوفان عنهما ، فأولهما : المصدر اليهوي «Jahvistic Document» ويرمز له بالحرف «J» ، وربما ألف حوالي عام ٨٥٠ ق. م في يهوذا ، وسمي كذلك لأنه يستعمل اسم العلم «يهوه» ، وأما ثانيهما فهو المصدر الكهنوتي «Priestly Document» ويرمز له بالحرف
__________________
(١) تكوين ٩ : ٢٠ ـ ٢٧ وكذلك علي عبد الواحد وافي : الأسفار المقدسة ص ٣٢.
(٢) تكوين ٩ : ٢٨ ، ٢٩.
(٣) التوراة : كلمة عبرانية تعني الهداية والإرشاد ، ويقصد بها الأسفار الخمسة الأولى (التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) والتي تنسب إلى موسى ـ عليهالسلام ـ وهي جزء من العهد القديم ، والذي يطلق عليه تجاوزا اسم «التوراة» من باب اطلاق الجزء على الكل ، أو لأهمية التوراة ونسبتها إلى موسى ـ والتوراة ، أو العهد القديم ـ تمييزا له عن العهد الجديد (كتاب المسيحيين المقدس) ـ هو كتاب اليهود الذي يضم إلى جانب تاريخهم ، عقائدهم وشرائعهم ، ويقسمه أحبار اليهود إلى ثلاثة أقسام : الناموس والأنبياء والكتابات (راجع كتابنا إسرائيل ص ١٩ وما بعدها).
(٤) جيمس فريزر : المرجع السابق ، ص ١٠٦.