ولهذا فقد قيده نوح بحبل طويل ربطه في الفلك ، وأخذ الحيوان يخب من ورائها ، وبالمثل كان المارد «عوج بن عنق» ملك باشان من الضخامة بحيث لم يجد مكانا في الفلك ، فجلس على ظهره وبذلك أنقذ ، أما عن الناس الذين كانوا مع نوح في الفلك فهم زوجته «نعمة» ابنة «أنوش» وأولاده الثلاثة وزوجاتهم.
على أن مشكلة المشاكل التي كان على نوح أن يواجهها هي مشكلة توزيع المؤن ، إذ كان عليه أن يطعم حيوان النهار نهارا ، وحيوان الليل ليلا ، كما كان عليه أن يقدم الطعام للمارد «عوج» من خلال ثقب في سقف السفينة ، ورغم أنه كان يقضي ليله ونهاره صاعدا هابطا في السفينة لإطعام ما فيها ومن فيها ، فإنه لم يسلم من الأذى ، ذلك أن الأسد الذي كان هادئا نسبيا لإصابته بالحمى طوال الوقت كان فظا للغاية ، وذات مرة لم يقدم له نوح الغذاء الكافي ، فما كان منه إلا أن ضرب نوحا بكفه ضربة أصابته بالعرج سائر أيام حياته (١).
وهناك رواية لكاتب مسيحي ـ ربما عاش في فترة الفتح الإسلامي ـ عثر عليها من بين مخطوطات دير سانت كاترين في سيناء ، تقدم لنا تفصيلات مثيرة عن نظام الفلك الداخلي ، فالقطعان والوحوش قد سكنت جوف السفينة ، كما سكنت الطيور الدور الأوسط منها ، وخص نوح سطح النزهة في السفينة له ولأسرته بعد أن عزل الرجال عن النساء ، فأقام نوح وأولاده في الجانب الشرقي من هذا السطح ، كما أقامت الزوجات مع أطفالهن في الطرف الغربي منه ، وكان الحاجز بين هؤلاء وأولئك جثة آدم التي كانت قد انتشلت من قبر غمرته المياه ، كما تخبرنا الرواية بعد ذلك بأبعاد السفينة على وجه التحديد بالذراع وعن اليوم والشهر الذي ركب فيه الركاب الفلك (٢).
٢ ـ قصة الطوفان : بين التوراة وقصص السومريين والبابليين :
يكاد يتفق العلماء ـ من أمثال ليوناردو ولي (٣) ، وأدولف لودز (٤) ، وستانلي
__________________
(١) راجع عن هذه الصور الغريبة وأمثالها : جيمس فريزر : المرجع السابق ص ١١٦ ـ ١١٩.
(٢) جيمس فريزر : المرجع السابق ص ١١٩.
(٣) ٤٣ Sir Leonard Woolley ,Excavations At Ur ,P ..
(٤) Adolphe Lods, Israel, from its Beginnings to the Middle ofthe Eight Century, P. ٦٨٤.