يوسف ، وكذا قصة إسماعيل عليهاالسلام ، فقصة يوسف قصة إنسان قد تمرس منذ طفولته بآفات الطبائع البشرية ، من حسد الإخوة إلى غواية المرأة إلى ظلم السجن ، إلي تكاليف الولاية وتدبير المصالح في إبان الشدة والمجاعة ، وقصة إسماعيل تتخللها هذه التجارب الإنسانية من عهد الطفولة كذلك ، فيصاب بالغربة المنقطعة عن العشيرة وعن الزاد والماء ، وإن كان الأخطر من ذلك كله أن تكتب عليه التجارب الإنسانية ضريبة الفداء ، وهي في مفترق الطرق بين الهمجية التي كانت ـ في معظم مجتمعات الشرق القديم ـ لا تتورع عن الذبائح البشرية ، وبين الإنسانية المهذبة التي لا تأبى الفداء بالحياة ، ولكنها تتورع عن ذبح الإنسان ، ثم يكتب لهذا الغلام الوحيد بواد غير ذي زرع عند البيت المحرم ، أن تنمي إليه أمة ذات شعوب وقبائل تتحول على يديها تواريخ العالم على مدى الأيام (١).
على أن أبرز قصص الأنبياء في القرآن الكريم قصتان مسهبتان في أجزائه لأنهما ترويان نبأ الرسالة بين أعرق أمم الحضارة الإنسانية ، وهما أمة وادي النهرين وأمة وادي النيل ، ومن أجل ذلك كانت قصة إبراهيم وموسى عليهماالسلام أو فى القصص بين جميع قصص الأنبياء ، وكانت الثورة فيهما على ضلال العقل في العبادة جامعة لأكثر العبادات المستنكرة في الزمن القديم (٢).
وفي قصة نوح ـ عليهالسلام ـ نرى كيف ينقاد الجهلاء للأمر والسطوة ، ولا ينقادون للحجة والدليل ، ويريدون من صاحب الدعوة أن يكون ملكا ، أو تكون عنده خزائن الأرض ، ويقولون له «قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين» (٣) ، كما نرى كذلك أن المسيطرين على أقدار القوم يكرهون التغيير ، ويتشبثون بالقديم ، ويأخذون على النبي الكريم أن يتبعه أناس من غير ذوي السيادة والجاه «وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ، وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين» (٤).
__________________
(١) عباس العقاد : الإسلام دعوة عالمية ـ القاهرة ١٩٧٠ ص ٢١٨ ـ ٢١٩ ، وانظر كذلك قصة التضحية البشرية في كتابنا إسرائيل ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩ ، قصة يوسف في مصر ص ٢٢٥ ـ ٢٤٥.
(٢) عباس العقاد : المرجع السابق ص ٢١٨.
(٣) سورة هود : آية ٣٢.
(٤) سورة هود : آية ٢٧.