وأما الطوفان ـ موضوع هذا الفصل ـ فلقد تحدث القرآن الكريم عنه ، حين تعرض لقصة نوح عليهالسلام ، في سور كثيرة منها سورة الأعراف (٥٩ ـ ٦٤) ويونس (٧١ ـ ٧٣) وهود (٢٥ ـ ٤٩) والأنبياء (٧٦ ـ ٧٧) والمؤمنون (٢٣ ـ ٣٠) والشعراء (١٠٥ ـ ١٢٢) والعنكبوت (١٤ ـ ١٥) والصافات (٧٥ ـ ٨٢) والقمر (٩ ـ ١٧) ثم سورة كاملة ، هي سورة نوح ، فضلا عن ذكره في مواضع متفرقة من القرآن الكريم ، كما في سورة النساء والأنعام والتوبة وإبراهيم والإسراء والأحزاب و «ص» وغافر والشورى و «ق» والذاريات والنجم والحديد والتحريم.
وفي كل هذه السور الكريمة ، كان نوح ـ شأنه في ذلك شأن غيره من المصطفين الأخيار ـ يدعو قومه إلى عبادة الله الواحد القهار ، «وكان قومه قد صوروا بعض الصالحين منهم ، ثم وضعوا لهم الصور والتماثيل لإحياء ذكرهم والاقتداء بهم ، ثم عبدوا صورهم وتماثيلهم» (١) ، واستمر نوح في دعوته ، يحثهم ليل نهار على عبادة الله تعالى وحده ، إلا أن القوم «جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً» (٢) ، إذ كبر عليهم أن يكون داعي الهدى ، وحامل لواء التوحيد ، واحدا منهم ، لا يمتاز عليهم بإمارة ، ولا يفضلهم بغنى أو ثروة ، كما أنفوا أن ينضموا إلى جماعة المهتدين من الضعفاء.
ويبذل النبي الكريم الجهد كل الجهد ، بغية أن يؤمن القوم بربهم ، وأن يكفوا عن عبادة الأصنام ، ويطول الزمن ، ونوح يغاديهم بالنصح ويراوحهم بالعظة سرا وعلانية ، ومع ذلك كله ، فالذين أجابوا الدعوة ، إنما كانوا قلة نادرة ، فيشتكي نوح إلى ربه عجزه وقلة حيلته ، وما يلاقيه على أيدي السفهاء من قومه من عنت وهوان ، فيناديه ربه «لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ، فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ» (٣) ، ويدعو نوح ربه «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً» (٤).
__________________
(١) محمد رشيد رضا : تفسير المنار ، الجزء السابع ص ٤٥٤ وما بعدها ، الجزء الثامن ص ٤٣٦ ، القاهرة القاهرة ١٩٧٤ (طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب) ، وكذلك : صحيح البخاري.
(٢) سورة نوح : آية ٧.
(٣) سورة هود : آية ٣٦.
(٤) سورة نوح : آية ٢٧ ، ٢٨.