ويجيب العليّ القدير دعوة النبي الكريم ، فيأمره أن يصنع الفلك «حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ ، قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ، وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» (١) ، وهكذا أنقذ الله نوحا ومن آمن معه ، وأهلك الكافرين من قومه «وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (٢) ثم أمر الله نوحا أن «اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ» (٣).
هذه هي الخطوط الرئيسية بإيجاز شديد لقصة نوح عليهالسلام ـ كما أخبر عنها ربي جلّ جلاله في القرآن الكريم ـ وهي هنا إذا ما قورنت بغيرها من القصص الذي تعرض لقصة الطوفان ، سواء أكان ذلك من القصص الإنساني أو السماوي ، لبان لنا بوضوح الفرق الشاسع ـ بغير حدود ـ بين ما أنزله الله على مولانا وسيدنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وبين ما كتبته أقلام ناقصة معرفة أحيانا ، ومتعصبة أحيانا أخرى ، وساذجة في أغلب الأحايين ، وإن كان بعضها يزعم لها أصحابها ما يزعمون من قداسة.
والقرآن الكريم حين تناول قصة الطوفان تناولها بما يتفق وأغراض القصص القرآني ، دونما حاجة إلى تفصيلات لا يقتضيها سياق القصة ، ثم جاء المفسرون والمؤرخون الإسلاميون وحاولوا تفسير هذه القصة بإسهاب وتفصيل ، إلا أن هذا التفصيل لعبت فيه الإسرائيليات دورا عكّر صفوها في كثير من الأحايين ، فيرون مثلا أن الله أمر نوحا أن يغرس شجرا ليصنع منه السفينة ، وأن النبي الكريم قد غرس هذا الشجر ، ثم انتظره مائة عام ، ثم نجره في مائة أخرى على رواية ، وفي أربعين على رواية أخرى (٤) ، ولست أدري من أين جاءوا بهذا الأرقام ، وما هو المصدر الذي اعتمدوا عليه.
والأمر كذلك بالنسبة إلى طول السفينة ، فهي ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين
__________________
(١) سورة هود : آية ٤٠.
(٢) سورة هود : آية ٤٤.
(٣) سورة هود : آية ٤٨.
(٤) الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير : ـ البداية والنهاية في التاريخ ج ١ (القاهرة ١٩٣٢) ص ١١٠ ، وكذلك الإمام القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ـ دار الشعب ١٩٧٠ ـ ص ٣٢٥٩ ، وكذلك الإمام الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١ ص ١٨١ (حيث يذكر رواية ثالثة تذهب إلى أنها أربعمائة عام).