البحر وسخر لهم الأنهار وسخر لهم الليل والنهار ، لا يخطر له لحظة أنهم أبناء الجزيرة العربية دون غيرهم من بني الإنسان في جميع البلدان (١) ، وأخيرا فليس هناك من يشك أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هو خاتم النبيين «ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» (٢) ، وبالتالي فإن دعوته لن تكون ـ بحال من الأحوال ـ مقصورة على قوم دون آخرين ، ومن ثم كانت عالمية الدعوة الإسلامية.
ومنها (رابعا) أن السنة الشريفة تتفق مع القرآن الكريم على عالمية الدعوة المحمدية ، وأن تلك ميزة الحبيب المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ على غيره من أنبياء الله الكرام الذين كانت دعواتهم مقصورة على أقوامهم دون غيرهم من العالمين ، يقول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كما جاء في الصحيحين «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» ، وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بي ، إلا دخل النار» ، ويذهب سعيد بن جبير إلى أن تصديق ذلك في كتاب الله تعالى : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ» (٣).
ومنها (خامسا) أن قول أهل الموقف لنوح ـ كما في حديث الشفاعة ـ أنت أول رسول إلى أهل الأرض ، ليس المراد به عموم بعثه ، بل إثبات أولية إرساله (٤) ، ومن ثم فإن نوحا ـ عليهالسلام ـ هو أول رسول أرسله الله تعالى إلى قوم مشركين ، هم قومه (٥).
__________________
(١) عباس العقاد : المرجع السابق ص ١٦٠.
(٢) سورة الأحزاب : آية ٤٠.
(٣) راجع في ذلك : مجموعة فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية : الجزء الرابع ص ٢٠٣ ـ ٢٠٨ ، ج ١١ ص ١٦٩ ـ ١٧٠ ، ج ١٩ ، ص ٩ ـ ١٢ ، ١٠١ ، ١٠٣ ، الرياض ١٣٨١ ـ ١٣٨٢ ه ، وكذلك مناع القطان : المرجع السابق ص ٢٠ ـ ٢١ ، وكذلك صحيح البخاري.
(٤) محمد رشيد رضا : تفسير المنار ج ٧ ص ٥٠٣.
(٥) نفس المرجع السابق ج ٨ ، ص ٤٣٦.