ومنها (سادسا) أن مبلغ علمي ـ وأنا واحد من عامة المسلمين لم يكتب له شرف التخصص في الدراسات القرآنية ـ أن القاعدة الشرعية التي جاء بها القرآن الكريم هي إلا يعذب الله قوما إلا إذا أرسل إليهم رسولا يهديهم سواء السبيل ، تصديقا لقوله تعالى : «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» (١) ، فإذا افترضنا أن نوحا ـ عليهالسلام ـ كان في جنوب العراق ـ كما هو المتواتر ، أو الذى يميل إليه أغلب الباحثين على الأقل فكيف يعذب الله ـ وهو أعدل العادلين ـ المصريين أو السوريين أو سكان الجزيرة العربية ، على سبيل المثال ، بسبب كفر العراقيين بنوح وبدينه القويم بخاصة وأن القرآن الكريم يقول «مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً» (٢) ، وهذا يعني أن الذين أغرقوا ، إنما بسبب خطيئتهم في حق نوح وكفرهم بدعوته ، بل إن القرآن الكريم ليصرح ـ دونما لبس أو غموض ـ بأنهم قد عصوا نوحا حقيقة ، يقول الله سبحانه وتعالى : «قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي» ، وأنهم لم يتركوا وثنيتهم الضالة المضلة إلى عبادة الله الواحد القهار ، فإذا كان الطوفان عاما ، فلا بد أن تكون دعوة نوح بالتالي عامة ، وهذا يتعارض مع مبادئ الإسلام الأساسية ، فضلا عن معارضته لآيات من القرآن الكريم ، ومن ثم فلا بد أن تكون الدعوة خاصة ، وأن الذين أغرقوا كانوا من الخاطئين ، أو كما يقول ابن كثير «اجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم» ، ثم هناك قوله تعالى : «وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ» (٣) ، أليس في هذه الآية الكريمة دليل على أن الكافرين ، إنما كانوا من قوم نوح فحسب ، وأن الفلك التي ستبنى إنما هي لإنقاذ المؤمنين من قومه ، وإغراق الكافرين منهم ، ثم أليس في قوله تعالى : «وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ، قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ» (٤) دليل على أن الساخرين من نوح كانوا من قومه ، وأنهم هم أنفسهم الكافرون به ، والأمر كذلك بالنسبة إلى قوله تعالى : «قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ» (٥) ، وقوله تعالى :
__________________
(١) سورة الإسراء : آية ١٥.
(٢) سورة نوح : آية ٢٥.
(٣) سورة هود : آية ٣٦.
(٤) سورة هود : آية ٣٨.
(٥) سورة المؤمنون : آية ٢٦.