كل منفق في سبيل الخير للإطلاق قال تعالى (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) [المنافقون : ١٠] والمراد به الصدقة لقوله (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون : ١٠].
البحث السادس : في قوله تعالى و «الذين يؤمنون» الآية. وفيه مسائل :
الأولى : يحتمل أن يراد بهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه الذين اشتمل إيمانهم على كل وحي نزل من عند الله ، سالف أو مترقب سبيله سبيل السالف لكونه معقودا بعضه ببعض ومربوطا آتيه بماضيه ، وأيقنوا بالآخرة إيقانا زال معه ما كانوا عليه من أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات ، وأن أهل الجنة لا يتلذذون إلا بالنسيم والأرواح العبقة والسماع اللذيذ ونحو ذلك. فيكون المعطوف غير المعطوف عليه إما مغايرة المباينة وذلك إذا أريد بالأولين كل من آمن ابتداء بمحمد صلىاللهعليهوسلم من غير إيمان قبل ذلك بموسى وعيسى عليهماالسلام ، وإما مغايرة الخاص للعام وذلك إذا أريد بالأولين كل من آمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم سواء كان قبل ذلك مؤمنا بموسى وعيسى عليهماالسلام أو لم يكن. ويكون السبب في ذكر هذا الخاص بعد العام إثبات شرف لهم وترغيبا لأمثالهم في الدين ، ويحتمل أن يراد بهؤلاء الأولون ، ووسط العاطف على معنى أنهم الجامعون بين تلك الصفات وهذه كقوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
يا لهف زيابة للحارث ال |
|
صابح فالغانم فالآئب |
الثانية : قال في التفسير الكبير : المراد من إنزال الوحي أن جبريل سمع في السماء كلاما لله تعالى فنزل على الرسول صلىاللهعليهوسلم كما يقال : نزلت رسالة الأمير من القصر. والرسالة لا تنزل لكن المستمع يستمع الرسالة في علو فينزل فيؤدي في سفل. وقول الأمير لا يفارق داته ، ولكن السامع يسمع فينزل ويؤدي بلفظ نفسه. قال : فإن قيل : كيف سمع جبريل كلام الله وكلامه ليس حرفا ولا صوتا عندكم؟ قلنا : يحتمل أن يخلق الله له سمعا لكلامه ثم أقدره على عبارة يعبر بها عن ذلك الكلام القديم. ويجوز أن يكون خلق الله في اللوح المحفوظ كتابه بهذا النظم المخصوص فقرأه جبرائيل فحفظه ، ويجوز أن يخلق أصواتا مقطعة بهذا النظم المخصوص في جسم مخصوص فيتلقفه جبرائيل ويخلق له علما ضروريا بأنه هو العبارة المؤدية لمعنى ذلك الكلام. وأقول : إنك إذا تأملت ما أشرت إليه في المقدمة العاشرة من مقدمات الكتاب انكشف لك الغطاء عن هذه المسألة.
الثالثة : الإيمان بجميع الكتب السماوية أعني التصديق بها واجب ، لأن الفلاح منوط