بذلك. فيجب تحصيل العلم بما أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم التفصيل ليقوم بواجبه علما وعملا ، لكنه فرض كفاية لقوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التوبة : ١٢٢] الآية. وأما المنزل على الأنبياء المتقدمين فالإيمان به واجب على الجملة لأن الله تعالى ما تعبدنا الآن به حتى يلزمنا معرفتها مفصلة ، لكنها إن عرفنا شيئا من تفاصيلها فهناك يجب علينا الإيمان بتلك التفاصيل.
الرابعة : الآخرة صفة الدار تلك الدار الآخرة وهي من الصفات الغالبة تأنيث الآخر نقيض الأول وكذلك الدنيا تأنيث الأدنى لأنها أقرب ، واليقين هو العلم بالشيء ضرورة أو استدلالا بعد أن كان صاحبه شاكا فيه ، ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه متيقن ولا يقال تيقنت أن السماء فوقي أو أني موجود. وفي تقديم الآخرة وبناء «يوقنون» على «هم» تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته ومن غير إيقان ، وأن اليقين ما عليه من آمن بما أنزل على محمد وعلى غيره من الأنبياء ، وهذا في معرض المدح ومعلوم أنه لا يمدح بتيقن وجود الآخرة فقط ، بل به وبما يتبعه من الحساب والسؤال وإدخال المؤمنين الجنة والكافرين النار. عن النبي صلىاللهعليهوسلم «يا عجبا كل العجب من الشاك في الله وهو يرى خلقه ، وعجبا ممن يعرف النشأة الأولى ثم ينكر النشأة الآخرة ، وعجبا ممن ينكر البعث والنشور وهو كل يوم يموت ويحيا ـ يعني النوم واليقظة ـ وعجبا ممن يؤمن بالجنة وما فيها من النعيم ثم يسعى لدار الغرور ، وعجبا من المتكبر الفخور وهو يعلم أن أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة».
البحث السابع : في قوله تعالى «أولئك على هدى من ربهم» الآية وفيه مسائل :
الأولى : في كيفية تعلق هذه الآية بما قبلها وجوه : أحدها نوى الابتداء «بالذين يؤمنون بالغيب» على سبيل الاستئناف و «أولئك على هدى» الجملة خبره ، كأنه لما قيل «هدى للمتقين» فخص المتقون بأن الكتاب لهم هدى ، اتجه لسائل أن يسأل فيقول : ما بال المتقين مخصوصين بذلك؟ فأجيب بأن الذين هؤلاء عقائدهم وأعمالهم أحقاء بأن يهديهم الله ويعطيهم الفلاح. وهذا النوع من الاستئناف يجيء تارة بإعادة اسم من استؤنف عنه الحديث نحو : قد أحسنت إلى زيد زيد حقيق بالإحسان ، وتارة بإعادة صفته مثل : أحسنت إلى زيد صديقك القديم أهل لذلك منك. فيكون الاستئناف بإعادة الصفة كما في الآية أحسن وأبلغ لانطوائها على بيان الموجب وتلخيصه. وثانيها : أن يجعل «الذين» و «الذين» تابعا للمتقين ، ويقع الاستئناف على «أولئك» كأنه قيل : ما للمستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى؟ فقيل : أولئك الموصوفون غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا. وثالثها : أن يجعل الموصول الأول صفة للمتقين ويرفع الثاني على الابتداء ، و «أولئك»