عباس. وتحقيقه في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) [التوبة : ١١١] وقيل : المراد من هذا العهد ما أثبته في الكتب المتقدمة من صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وأنه سيبعثه ، وإليه الإشارة في قوله (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) إلى قوله (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [المائدة : ١٢] وفي الأعراف (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) [الأعراف : ١٥٦] الآية. وفي آل عمران (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ) [آل عمران : ٨١] وفي الصف (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) [الصف : ٦] وعن ابن عباس : إن الله كان عهد إلى بني إسرائيل في التوراة أني باعث من بني إسماعيل نبيا أميا ، فمن تبعه وصدق بالتوراة الذي يأتي به أي بالقرآن غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين ، أجرا باتباع ما جاء به موسى وجاءت به سائر أنبياء بني إسرائيل ، وأجرا باتباع ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم النبي الأمي الذي من ولد إسماعيل وتصديق هذا في القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) [الحديد : ٢٨]. وعن أبي موسى الأشعري مرفوعا «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بعيسى ثم آمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم فله أجران ، ورجل أدّب أمته فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ، ورجل أطاع الله وأطاع سيده فله أجران» (١) فإن قيل : لو كان الأمر كما قلتم ، فكيف يجوز من جماعتهم جحده صلىاللهعليهوسلم؟ قلنا : إما لأن هذا العلم به صلىاللهعليهوسلم كان حاصلا عند العلماء بكتبهم ولم يكن لهم عدد كثير فجاز منهم كتمانه صلىاللهعليهوسلم ، وإما لأن ذلك النص كان نصا خفيا لعدم تعيين الزمان والمكان بحيث يعرفه كل أحد ، فجاز وقوع الشكوك والشبهات فيه. جاء في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة : أن هاجر لما غضبت عليها سارة تراءى لها ملك لله تعالى. فقال لها : يا هاجر أين تريدين؟ قالت : أهرب من سيدتي سارة. فقال : ارجعي إلى سيدتك واخفضي لها فإن الله سيكثر زرعك وذريتك ، وستحبلين وتلدين ابنا تسميه إسماعيل ، من أجل أن الله سمع خشوعك ، وهو يكون عينا بين الناس وتكون يده فوق الجميع ، ويد بجميع مبسوطة إليه بالخضوع. فقيل : هذا الكلام خرج مخرج البشارة لأنهم كانوا قبل الإسلام محصورين في البادية لا يتجاسرون على الدخول في أوائل العراق وأوائل الشام إلا على أتم خوف ، فلما جاء الإسلام استولوا على الخافقين بالإسلام ومازجوا الأمم ووطئوا بلادهم ومازجتهم الأمم وحجوا بيتهم ودخلوا باديتهم بسبب مجاورة الكعبة.
__________________
(١) رواه الدارمي في كتاب النكاح باب ٤٦.