غليظ «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» (١) والكافر عن دليل ومعرفة بما يوجب الإيمان كفره أغلظ ممن كفر ولا دليل له على الإيمان ، فاشتركا من هذا الوجه ، فصح إطلاق أحدهما على الآخر. السادس : ولا تكونوا أوّل من جحد مع المعرفة. السابع : أوّل فريق كفر من اليهود لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قدم المدينة وبها قريظة والنضير ، فكفروا ثم تتابعت سائر اليهود على ذلك الكفر. الثامن : ولا تكونوا أول الكافرين به صلىاللهعليهوسلم عند سماعكم بذكره صلىاللهعليهوسلم ، بل تثبتوا وراجعوا عقولكم فيه صلىاللهعليهوسلم.
السؤال الثاني : كأنه يجوز لهم الكفر إذا لم يكونوا أوّل الجواب ليس في ذكر الشيء دلالة على أن ما عداه بخلافه. وأيضا في قوله (وَآمِنُوا) دلالة على أن كفرهم أولا وآخرا محظور. وأيضا قوله (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) لا يدل على إباحة ذلك بالثمن الكثير. وقوله (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) [الرعد : ٢] لا يدل على وجود عمد لا نراها فكذلك هاهنا. قال المبرد : هذا الكلام خطاب لقوم خوطبوا به قبل غيرهم ، فقيل لهم : لا تكفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم فإنه سيكون بعدكم كفار ، فلا تكونوا أنتم أول الكفار فإنه يكون عليكم وزر من كفر إلى يوم القيامة. والاشتراء استعارة للاستبدال كما قلنا في (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦] أي لا تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا ، وإلا فالثمن هو المشترى به ، والثمن القليل هو الرياسة التي كانت لهم في قومهم. خافوا عليها لفوات لو تبعوا دين الإسلام. وقيل : الثمن هو الرشا التي يأخذها علماؤهم على تحريف الكلم عن مواضعه وتسهيلهم لهم ما صعب عليهم من الشرائع (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) مثل (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وقيل : الاتقاء إنما يكون عند الجزم الجزم بحصول ما يتقى عنه ، فكأنه أمرهم بالرهبة. على أن جواز العقاب قائم ، ثم أمرهم بالتقوى على أن يقين العقاب قائم.
قوله (وَلا تَلْبِسُوا) أمر بترك الإغواء والإضلال كما أن قوله (وَآمِنُوا) أمر بترك الكفر والضلال. ولإضلال الغير طريقان : لأنه إن سمع الدلائل فإضلاله بتشويشها عليه ، وإن لم يسمعها فإضلاله بكتمانها ومنعه من الوصول إليها. فقوله (وَلا تَلْبِسُوا) إشارة إلى القسم الأول ، وقوله (وَتَكْتُمُوا) المجزوم بلا المقدرة للنهي عطفا على المنهي قبله إشارة إلى القسم الثاني. والباء التي في (بِالْباطِلِ) إما للوصل كما في قولك «لبست الشيء بالشيء» خلطته به ، فكان المعنى : ولا تكتبوا في التوراة ما ليس منها فيختلط الحق المنزل بالباطل
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب العلم حديث ١٥. النسائي في كتاب الزكاة باب ٦٤. أحمد في مسنده (٤ / ٣٥٧ ، ٣٥٩).