أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] وذلك أن المؤمنين كنفس واحدة. ثم اختلفوا فقيل : إنه أمر من لم يعبد العجل من السبعين المختارين لحضور الميقات أن يقتل من عبد العجل منهم. وقيل : لما أمرهم موسى عليهالسلام بالقتل أجابوا فأخذ عليهم المواثيق ليصبرن على القتل فأصبحوا مجتمعين كل قبيلة على حدة ، وأتاهم هارون بالاثني عشر ألفا الذين ما عبدوا العجل وبأيديهم السيوف فقال : إن هؤلاء إخوانكم قد أتوكم شاهرين للسيوف فاجلسوا بأفنية بيوتكم واتقوا الله واصبروا ، فلعن الله رجلا قام من مجلسه أو مد طرفه إليهم أو اتقاهم بيد أو رجل ويقولون آمين. روي أن الرجل كان يبصر ولده ووالده وجاره وقريبه فلم يمكنه المضي لأمر الله ، فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون تحتها ، فجعلوا يقتلونهم إلى المساء. وقام موسى وهارون يدعوان الله ويقولان : هلكت بنو إسرائيل ، البقية البقية يا الهنا. فكشفت الضبابة والسحابة ، وأوحى الله تعالى إليه : قد غفرت لمن قتل ، وتبت على من لم يقتل. قالوا : وكانت القتلى سبعين ألفا. وقيل : كانوا قسمين : منهم من عبد العجل ، ومنهم من لم يعبد. ولكن لم ينكر على من عبده فأمر من لم يشتغل بالإنكار بقتل من اشتغل بالعبادة. والقائلون بأن العجل عجل الهوى قالوا : معنى قتل الأنفس هو قمع الهوى لأن الهوى حياة النفس.
قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى) ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الواقعة كانت قبل أن كلف الله عبدة العجل بالقتل. قال محمد بن إسحق : لما رجع موسى عليهالسلام من الطور إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل وقال لأخيه والسامري ما قال وأحرق العجل ونسفه في اليم ، اختار سبعين رجلا من خيارهم. فلما خرجوا إلى الطور قالوا لموسى : سل ربك حتى نسمع كلامه. فسأل موسى ذلك فأجابه الله إليه ، فلما دنا من الجبل وقع عليه عمود من الغمام وتغشى الجبل كله ، ودنا موسى عليهالسلام من ذلك الغمام حتى دخل فيه فقال للقوم : ادخلوا وعوا. وكان موسى متى كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل النظر إليه. وسمع القوم كلام الله مع موسى يقول له : افعل ولا تفعل. ومن جملة الكلام «إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة ، أخرجتكم من أرض مصر فاعبدوني ولا تعبدوا غيري». فلما تم الكلام انكشف عن موسى الغمام الذي دخل فيه فقال القوم بعد ذلك (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) أي لن نصدقك ولن نقر بنبوتك (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) عيانا ، وهي مصدر قولك جهر بالقراءة والدعاء ، كأن الذي يرى بالعين يجاهر بالرؤية ، والذي يرى بالقلب يخافت بها. وانتصابها على نحو انتصاب «قعد القرفصاء» لأن هذه نوع من الرؤية كما أن تلك نوع من القعود ، ويحتمل أن يكون نصبها على الحال بمعنى ذوي جهرة. ومن قرأ