(جَهْرَةً) بفتح الهاء فإما لأنه مصدر كالغلبة ، وإما لأنه جمع جاهر. وإنما أكدوا بهذا لئلا يتوهم أن المراد بالرؤية العلم أو التخيل على ما يراه النائم (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) وهي ما صعقهم أي أماتهم. فقيل : نار وقعت من السماء فأحرقتهم ، وقيل : صيحة جاءت من السماء ، وقيل : أرسل الله جنودا سمعوا بحسها فخروا صعقين ميتين يوما وليلة. وصعقة موسى في قوله (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) [الأعراف : ١٤٣] لم تكن موتا ولكن غشية بدليل (فَلَمَّا أَفاقَ) [الأعراف : ١٤٣] والظاهر أنه أصابهم ما ينظرون إليه لقوله (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) فرفع موسى يديه إلى السماء يدعو ويقول : إلهي اخترت من بني إسرائيل سبعين رجلا ليكونوا شهودي بقبول توبتهم فأرجع إليهم وليس معي أحد ، فما الذي يقولون فيّ؟ فلم يزل يدعو حتى رد الله إليهم أرواحهم وذلك قولهم (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة البعث بعد الموت ، أو نعمة الله بعد ما كفرتموها فطلب توبة بني إسرائيل من عبادة العجل فقال : لا إلا أن يقتلوا أنفسهم. وقيل : إن هذه الواقعة كانت بعد القتل. قال السدي : لما تاب بنو إسرائيل من عبادة العجل بأن قتلوا أنفسهم ، أمر الله أن يأتيه موسى في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادتهم العجل ، فاختار موسى سبعين رجلا. فلما أتوا الطور قالوا : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وماتوا ، فقام موسى يبكي ويقول : يا رب ، ماذا أقول لبني إسرائيل فإني أمرتهم بالقتل ثم اخترت من بينهم هؤلاء ، فإذا رجعت إليهم ولا يكون معي أحد منهم فماذا أقول لهم؟ فأوحى الله إلى موسى : إن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل إلها. فقال موسى : إن هي إلا فتنتك. فأحياهم الله تعالى فقاموا ونظر كل واحد إلى الآخر كيف يحييه الله تعالى. فقالوا : يا موسى إنك لا تسأل الله شيئا ، إلا أعطاك ، فادعه يجعلنا أنبياء. فدعا بذلك فأجاب الله دعوته. هذا ما قاله المفسرون ، وليس في الآية ما يدل على ترجيح أحد القولين على الآخر ، ولا على أن الذين سألوا الرؤية عبدة العجل أم لا ، والصحيح أن موسى لم يكن من جملة الصعقين في هذه الواقعة لأنه خطاب مشافهة ، ولأنه لو تناوله لوجب تخصيصه بقوله في حق موسى (فَلَمَّا أَفاقَ) [الأعراف : ١٤٣] مع أن لفظة «الإفاقة» لا تستعمل في الموت.
ثم في الآية فوائد منها : التحذير لمن كان في زمان نبينا صلىاللهعليهوسلم عن فعل ما يستحق بسببه أن يفعل به ما فعل بأولئك. ومنها تشبيه جحودهم معجزات النبي صلىاللهعليهوسلم بجحود أسلافهم نبوة موسى عليهالسلام مع مشاهدتهم لعظم تلك الآيات ليتنبهوا أنه إنما لا يظهر على النبي صلىاللهعليهوسلم مثلها لعلمه بأنه لو أظهرها لجحدوها ، ولو جحدوها لاستحقوا العقاب كما استحقه أسلافهم. ومنها التسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وتثبيت فؤاده كي يصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل.