بالأصناف الزكوية وبالنصاب وبالحول وغير ذلك. والمالي العام لكونه منوطا بالقدرة. والإمكان سببه إما نسب أولا ، والنسب إما سابق أو مقارن أو لاحق. فالسابق الوالدان ، والمقارن الأقارب ، واللاحق اليتامى ، لأنهم أولاد. وذلك إذا كان الولي جدا أو بمنزلة الأولاد ، وذلك إذا كان الولي غيره. وغير النسب إما الاحتياج والفقر وهو المساكين ، أو الاشتراك في النوع ، ولا يمكن إلا بالقول الحسن ، وما ينخرط في سلكه من مكارم الأخلاق الفعلية «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم» فالقول الحسن يشمل الأصناف المتقدمة أيضا بهذا الاعتبار ، وحسن هذا الترتيب مما لا مزيد عليه ، وقد كرر أكثر هذه المعاني في سورة النساء بضرب من التأكيد ، فأكد العبادة بقوله (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [النساء : ٣٦] وأكد الإحسان إلى ذي القربى. وما يتلوه بتكرير الجار وهو الباء وبضم أصناف أخر وهم الجار وغيره إليهم فكأنه كالتفصيل لقوله (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً).
قوله تعالى (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) قيل الخطاب لمتقدمي بني إسرائيل على طريقة الالتفات ، ووجهه أن أول الكلام معهم فكذا آخره إلا بدليل يوجب الانصراف عن هذا الظاهر ، وقيل : إنه خطاب لمن كان في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم من اليهود ، كأنه تعالى بين أن تلك المواثيق كما لزمهم التمسك بها فكذلك هي لازمة لكم لأنكم تعلمون ما في التوراة من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وصحة نبوته ، فيلزمكم من الحجة مثل الذي لزمهم وأنتم مع ذلك قد توليتم إلا قليلا منكم وهم الذين آمنوا وأنتم معرضون. الواو للاعتراض أي وأنتم قوم من عادتكم الإعراض ، أعرضتم بعد ظهور المعجزات كإعراض أسلافكم. وقيل : ثم توليتم للمتقدمين وأنتم معرضون للمتأخرين. وأما قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) فقيل : خطاب لعلماء اليهود في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم. وقيل : المراد أخذنا ميثاق آبائكم. وقيل : خطاب للأسلاف وتقريع للأخلاف. وفي قوله (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) إشكال ، وهو أن الإنسان ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه فأي فائدة في النهي؟ والجواب أن هذا الإلجاء قد يتغير كما ثبت من أهل الهند أنهم يقدرون في قتل النفس التخلص من عالم الفساد واللحوق بعالم النور ، وككثير ممن يصعب عليه الزمان ، أو المراد لا يفعل ذلك بعضكم ببعض جعل غير الرجل نفسه إذا اتصل به أصلا أو دينا ، أو أنه إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه لأنه يقتص منه ، أو لا تتعرضوا لمقاتلة من يغلبكم فتكونوا قد قتلتم أنفسكم. (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ) لا تفعلوا ما تستحقون بسببه أن تخرجوا من دياركم. والمراد إخراج بعضهم بعضا من ديارهم لأن ذلك مما تعظم فيه الفتنة حتى يقرب من الهلاك. وإعراب (لا تَسْفِكُونَ) و (لا تُخْرِجُونَ) على قياس ما تقرر في (لا تَعْبُدُونَ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أي ثم أقررتم بالميثاق واعترفتم على أنفسكم