بلزومه ، وأنتم تشهدون عليها كقولك «فلان مقر على نفسه بكذا شاهد عليها» أو اعترفتم بقبوله وشهد بعضكم على بعض بذلك ، لأنه كان شائعا فيما بينهم مشهورا ، وأنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق. (ثُمَّ أَنْتُمْ) معنى «ثم» الاستبعاد لما أسند إليهم من القتل ، وإلا جلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم ، وإقرارهم وشهادتهم. «وأنتم» مبتدأ و «هؤلاء» خبره أي أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرين تنزيلا لتغير الصفة منزلة تغير الذات كما تقول : خرجت بغير الوجه الذي دخلت به ، و «تقتلون» بيان «لأنتم هؤلاء» وقيل «هؤلاء» موصول بمعنى الذين وهذا عند الكوفيين فإنهم يجوزون كون جميع أسماء الإشارة بمعنى الموصول. والتظاهر التعاون ، ولما كان الإخراج من الديار وقتل البعض بعضا مما تعظم به الفتنة واحتيج فيه إلى اقتدار وغلبة ، بيّن تعالى أنهم فعلوه على وجه الاستعانة بمن يظاهرهم على الظلم والعدوان ، وفيه دليل على أن الظلم كما هو محرم فكذا إعانة الظالم على ظلمه محرمة. ولا يشكل هذا بتمكين الله تعالى الظالم من الظلم فإنه كما مكنه فقد زجره عنه ونهاه بخلاف معين الظالم فإنه يدعوه إلى الظلم ويحسنه في عينه مع أنه تعالى لا يسأل عما يفعل. أسرى جمع أسير كجرحى في جريح ، وأسارى جمع أسرى كسكرى وسكارى. وقيل : أسارى من الجموع التي ترك مفردها كأنه جمع «إسران» كعجالى وعجلان. وقوله (تُفادُوهُمْ) جمهور المفسرين على أنه وصف لهم بما هو طاعة وهو التخليص من الأسر ببذل مال أو غيره ليعودوا إلى كفرهم و (هُوَ) ضمير الشأن و (إِخْراجُهُمْ) مبتدأ و (مُحَرَّمٌ) خبره والجملة خبر الضمير. ويجوز أن يكون (هُوَ) مبتدأ مبهما و (مُحَرَّمٌ) خبره و (إِخْراجُهُمْ) تفسيره. (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) أي بالفداء (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) أي بالقتال والإجلاء. وذلك أن قريظة كانوا حلفاء الأوس والنضير كانوا حلفاء الخزرج ، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ، وإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم ، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه فعيرتهم العرب فقالت :
كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم؟
فيقولون : أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكنا نستحيي أن يذل حلفاؤنا فذمهم الله تعالى على المناقضة إذا أتوا ببعض الواجب وتركوا البعض ، ولعلهم صرحوا باعتقاد عدم وجوبه فلهذا سماه كفرا ، وقد تكون المناقضة أدخل في الذم وفي ذلك تنبيه على أنهم في تصديقهم بنبوة موسى مع التكذيب بمحمد صلىاللهعليهوسلم والحجة في أمرهما على سواء ، يجرون