مجرى طريقة السلف منهم في الإيمان ببعض والكفر ببعض وكل في الميثاق سواء. الخزي الذل والهوان خزي بالكسر يخزي خزيا أي ذل وهان ، وخزي أيضا يخزى خزاية أي استحيا فهو خزيان. فإذا قيل : أخزاه الله. فالمراد أهانه أو أوقعه موقعا يستحيي منه وتنكير «خزي» يدل على فظاعة شأنه وأنه بلغ مبلغا لا يكتنه كنهه ، والأظهر أنه غير مختص ببعض الوجوه. وقيل : هو قتل بني قريظة وأسرهم وإجلاء بني النضير ، وقيل : الجزية ، وعلى هذين القولين يختص الخزي بمن في عصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم وبمن يخلفهم دون أسلافهم ، فإن قيل : عذاب منكري الصانع كالدهرية يجب أن يكون أشد ، فكيف يقال في حق اليهود يردون الى أشد العذاب؟ قلنا : إما لأن كفر العناد أغلظ ، وإما لأن المراد أشد من الخزي لا الأشد مطلقا. وفي قوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) وعيد شديد للعاصين وبشارة عظيمة للمطيعين ، لأن القدرة الكاملة مع عدم الغفلة تدل على وصول الحقوق إلى مستحقها لا محالة. (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) استبدلوها بها (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) لا ينقطع ولا يفتر بل يدوم على حالة واحدة (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) بدفع هذا العذاب عنهم. وفيه تنبيه على أن الجمع بين تحصيل لذات الدنيا إذا كانت على وفق الهوى لا الشرع ، وبين لذات الآخرة ممتنع يستتبع وجود إحداهما عدم الأخرى والله ولي التوفيق.
التأويل : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) في عهد (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) بامتثال أوامر الشيطان واتباع خطواته كما قيل :
إلى حتفي مشى قدمي |
|
أرى قدمي أراق دمي |
(وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ) من ديار عبوديتكم التي كنتم فيها في أصل الفطرة (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) لا تقتصرون على ضلالكم بل يعاون بعضكم بعضا على الإعراض عن حقوق الله والإقبال على حظوظ النفس (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) فمن أسر في قيد الهوى فإنقاذه بالدلالة على الهدى ، ومن أسر في قيد حب الدنيا فخلاصه في كثرة ذكر المولى ، ومن أسر في أيدي الشكوك والشبهات ففداؤه إرشاده إلى اليقين بلوائح البراهين ولوامع البينات ، ومن أسر في حبس وجوده فنجاته فيما يحل عنه وثاق الكون ويوصله إلى معبوده ، ومن أسر في قبضة الحق فليس لأسراهم فداء ولا لقتلاهم قود ولا لرهطهم خلاص ولا لقومهم مناص ولا منهم فرار ولا معهم قرار ولا إليهم بغيره سبيل ولا لديهم دليل (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) وهو ما سمعتم في أول الخطاب (أَلَسْتُ