ويجوز أن تكون القلة بمعنى العدم أي لا يؤمنون أصلا لا قليلا ولا كثيرا كما يقال : قليلا ما تفعل. أي لا تفعل البتة. وذلك أن الإيمان بالله إنما يعبأ به إذا كان مؤمنا بجميع ما أنزل الله ، فإذا فرق بين أوامره فهو عن الإيمان بمعزل. (وَلَمَّا جاءَهُمْ) جوابه محذوف وهو نحو : كذبوا به واستهانوا بمجيئه. ويجوز أن يكون جوابه هو جواب «لما» الثانية المكررة للتأكيد لطول الكلام نحو قوله (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ) [آل عمران : ١٨٨] بعد قوله (لا تَحْسَبَنَ) [آل عمران : ١٨٨]. واتفقوا على أن المراد بالكتاب هو القرآن ، ووجه تصديقه لما معهم ليس هو الموافقة في أصول الشرائع ، لأن جميع كتب الله كذلك ، بل المراد ما يختص بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم من العلامات والنعوت والصفات. والتحقيق أن ذكر الكتاب هاهنا كناية عن الرسول لأن الرسول يلزمه الكتاب عرفا أو مجازا لأن الكتاب مستلزم للرسول لا محالة يدل على ذلك قوله (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة : ٨٩] وذلك أن اليهود قبل مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم ونزول القرآن كانوا يسألون به الفتح والنصرة على المشركين إذا قاتلوهم يقولون : اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة. وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين : قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. وقيل : معنى يستفتحون يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبيا يبعث منهم قد قرب أوانه. والسين للمبالغة أي يسألون أنفسهم الفتح عليهم كالسين في «استعجب» و «استسخر» ، أو يسأل بعضهم بعضا أن يفتح عليه ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) من الحق وهو نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ويجوز أن تكون «ما» بمعنى «من» نحو : سبحان ما سخركن لنا أي فلما جاءهم النبي صلىاللهعليهوسلم الذي كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم (كَفَرُوا بِهِ) ، إما لأنهم كانوا يظنون أن المبعوث يكون من بني إسرائيل لكثرة مجيء الرسل منهم فيرغبون الناس في دينه ويدعونهم إليه فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم من العرب من ذرية إسماعيل عليهالسلام عظم ذلك عليهم فأظهروا التكذيب بغيا وحسدا وعنادا ولددا ، وإما لأنهم ظنوا أنه صلىاللهعليهوسلم مبعوث إلى العرب خاصة ، وإما لأن اعترافهم بنبوته كان يوجب عليهم زوال رياساتهم ومكاسبهم فأبوا وأصروا على الإنكار. فكفرهم إذا كفر عناد ، (فَلَعْنَةُ اللهِ) وهي الإبعاد عن الخيرات الحقيقية الباقية) (عَلَى الْكافِرِينَ) أي عليهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر ليدل على أن اللعنة إنما لحقتهم لكفرهم ، واللام للعهد أو للجنس ويدخلون فيه دخولا أوليا. فإن قيل : أليس أنه تعالى ذكر (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة : ٨٣] قلنا : العام قد يخص ، وأيضا لعن من يستحق اللعن حسن ، وأيضا أولئك بالنسناس أشبه منهم بالناس (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف : ١٧٩] «بئس» لإنشاء الذم ، وفاعله قد يكون مظهرا نحو «بئس الرجل زيد» ، وقد يكون مضمرا يعود إلى معهود ذهني فيفسر حينئذ بنكرة منصوبة وبعدهما المخصوص بالذم