آتَيْنا) لإفادة التوبيخ والتعجيب من شأنهم ، ويجوز أن تكون الفاء للعطف على مقدر معناه أأعرضتم فكلما (جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) الباء للتعدية أو بمعنى «مع» ، وذلك أنهم كانوا إذا أتاهم رسول بخلاف ما يهوون كذبوه وإن تهيأ لهم قتله قتلوه ترفعا وترؤسا على عامتهم. وأخذ أموالهم بغير حق يوهمون عوامهم أنهم على الحق والنبي صلىاللهعليهوسلم على الباطل ، ويحتجون على ذلك بالتحريف وسوء التأويل ، ومنهم من كان يستكبر على الأنبياء استكبار إبليس على آدم عليهالسلام (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) على التمام وما بقي منه غير مكذب (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) أي ما تيسر لكم قتله بعد على التمام لأنكم تحومون حول قتل محمد صلىاللهعليهوسلم لولا أني أعصمه منكم ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة. قال صلىاللهعليهوسلم عند وفاته : ما زالت أكلة خيبر تعادّني فهذا أوان قطعت أبهري. والعداد اهتياج وجع اللديغ بعد كل سنة ، والأبهر عرق يخرج من القلب إذا انقطع مات صاحبه. ويجوز أن يراد الحال الماضية لأن الأمر فظيع فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب كقوله :
فأضر بها بلا دهش فخرت
وفائدة تقديم المفعول به على الفعلين بعد رعاية الفاصلة في (تَقْتُلُونَ) بيان غاية عنادهم وفرط عتوهم حيث جعلوا الرسل فريقين : أحدهما مخصص بالتكذيب والآخر بالقتل ، كأن وصف الرسالة عندهم هو الذي اقتضى عندهم أحد هذين حتى خص المنعوت به دون سائر الناس بأحد الأمرين ، وهذا نهاية الجهالة حيث استقبلوا أشرف الأصناف لأكرم الأوصاف بغاية الاستخفاف. غلف جمع أغلف وهو كل ما فيه غلاف ومنه الأغلف للذي لم يختن ، أي قلوبنا مغشاة بأغطية فلا تتأثر من دعوتك لمكان الحائل بينهما. وقيل : غلف تخفيف غلف بضمتين جمع غلاف أي قلوبنا أوعية للعلم والحكمة فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره لا حاجة بنا إلى شرعك. (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ) رد لقولهم وأن تكون قلوبهم مخلوقة كذلك لأنها خلقت على الفطرة ، والتمكن من قبول الحق ولكنهم لعنوا أي طردوا عن رحمة الله وأبعدوا عن الخيرات بسبب كفرهم الذي أحدثوه بعد نصب الأدلة وإزاحة العلة. وفي هذا لطف للمكلفين أن لا يتسلقوا إلى المعاصي بإبلاء نحو هذا العذر وإبداء مثل هذه الحجة ، ولكن يشمرون عن ساق الاجتهاد «فكل ميسر لما خلق» له (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) أي إيمانا قليلا يؤمنون. و «ما» مزيدة وهو إيمانهم ببعض الكتاب أو بقليل مما كلفوا به. يؤمنون ، فانتصب بنزع الخافض. و «ما» صفة أي بشيء قليل من الأشياء المكلف بها.