الأنبياء ، وعلى ترك الأولى ونحو ذلك عند غيرهم ، ويمكن أن تكون التوبة منهما تصويرا لأنفسهما بصورة النادم العازم على التحرز تشددا في الانصراف عما لا يليق بهما. قال صلىاللهعليهوسلم «يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم مائة مرة» (١) وأيضا لعلهما استتابا لذريتهما لعلمهما بأن فيهم ظالمين لقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وذلك لغاية شفقتهما عليهم. وباقي مباحث التوبة ، قد مر في قصة آدم فليتذكر النوع الثالث (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) وفيه أمران : الأول : أن يبعث في تلك الأمة رسولا ليبين لهم الشرع القويم وينهج الصراط المستقيم ، والثاني : أن يكون ذلك الرسول منهم لا من غيرهم لأن الرسول والمرسل إليهم إذا كانوا جميعا من ذريته كان رتبته أجل ، ولأنه إذا كان منهم عرفوا مولده ومنشأه فيقرب الأمر عليهم في معرفة صدقه وأمانته ، ولأنه إذا كان منهم كان أحرص عليهم وأشفق من أجنبي لو أرسل إليهم. وأما الرسول فهو محمد صلىاللهعليهوسلم بإجماع المفسرين وهو حجة ولقوله تعالى في موضع آخر (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران : ١٦٤] ولقوله صلىاللهعليهوسلم «أنا دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي» (٢) أما الدعوة فهذه ، وأما البشارة فقوله تعالى في سورة الصف (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦] وأما الرؤيا فما رأت آمنة وهي حامل أنه خرج منها نور أضاء ما بين الخافقين. وهاهنا نكتة وهي أن الخليل لما دعا للحبيب بقوله (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً) فلا جرم قضى الله تعالى حق الحبيب للخليل بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيامة يقولون في صلاتهم : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. ولهذا الذكر مناسبات أخر منها : أن الخليل دعا لنفسه بقوله (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء : ٨٤] أي أبق لي ثناء حسنا في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فأجابه الله تعالى وقرن ذكره بذكر حبيبه. ومنها أن إبراهيم أبو الملة (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) [الحج : ٧٨] ومحمد صلىاللهعليهوسلم أبو الرحمة (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨] (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب : ٦] «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده» (٣) يعني في الرأفة والرحمة ،
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الذكر حديث ٤١. أبو داود في كتاب الوتر باب ٢٦. الترمذي في تفسير سورة ٤٧ باب ١. ابن ماجه في كتاب الأدب باب ٥٧. الدارمي في كتاب الرقاق باب ١٥.
(٢) رواه أحمد في مسنده (٥ / ٢٦٢).
(٣) رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب ٤. النسائي في كتاب الطهارة باب ٣٥. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ١٦. أحمد في مسنده (٢ / ٢٤٧ ، ٢٥٠).