الخدمة. وأيضا الخشوع في الصلاة لا يحصل إلا مع السكون وترك الالتفات ، ولا يتأتى ذلك إلّا إذا بقي في جميع صلاته مستقبلا لجهة واحدة على التعيين. وإذا اختص بعض الجهات بمزيد شرف في الأوهام فاستقباله أولى. وأيضا إنه تعالى يحب الموافقة والألفة بين المؤمنين وقد من عليهم بذلك (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران : ١٠٣]. وتوجه كل مصل إلى أي جهة تتفق مظنة الاختلاف فلم يكن بد من تعيين جهة ليحصل الاتفاق. وأيضا كأنه تعالى يقول : يا مؤمن أنت عبد ، والكعبة بيتي ، والصلاة خدمتي ، وقلبك عرشي ، والجنة دار كرامتي ، فاستقبل بوجهك إلى بيتي وبقلبك إليّ ، أبوئك دار كرامتي. وأيضا اليهود استقبلوا مغرب الأنوار (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) [القصص : ٤٤]. والنصارى استقبلوا مطلع الأنوار (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) [مريم : ١٦] فالمؤمنون استقبلوا مظهر الأنوار وهو مكة ، فمنها محمد ومنه خلق الأنوار ولأجله دار الفلك الدوّار. وأيضا المغرب قبلة موسى ، والمشرق قبلة عيسى ، وبينهما قبلة إبراهيم ومحمد ، وخير الأمور أوسطها ؛ وأيضا الكعبة سرة الأرض ووسطها ، وأمة محمد وسط (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). والوسط بالوسط أولى (الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) [النور : ٢٦]. وأيضا العرش قبلة الحملة ، والكرسي قبلة البررة ، والبيت المعمور قبلة السفرة ، والكعبة قبلة المؤمنين ، والحق قبلة المتحيرين (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) والعرش مخلوق من النور ، والكرسي من الدر ، والبيت المعمور من الياقوت ، والكعبة من جبال خمسة : سينا وزيتا وجوديّ ولبنان وحراء. كأنه قال : إن كان عليك مثل هذه الجبال ذنوبا فأتيت الكعبة حاجا أو معتمرا أو توجهت مصليا الصلوات الخمس غفرتها لك. وأيضا لما كان بناء هذا البيت سببا لظهور دولة العرب كانت رغبتهم في توجهها أشد وأيضا اليهود كانوا يعيرون المسلمين بأنا قد أرشدناكم إلى القبلة وينكسر بذلك قلوب المسلمين. فأزيل تشويشهم ، وأيضا الكعبة منشأ محمد ، فتعظيمها يقتضي تعظيمه ، وتعظيمه مما يعين على قبول أوامره ونواهيه ، فبمقدار حشمة المرء يكون قبول قوله. فهذه هي الوجوه المناسبة ، والوجه الأقوى هو الذي ذكره الله تعالى في قوله (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) وقوله (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ) الكاف للتشبيه ، وفي اسم الإشارة وجوه. فقيل : راجع إلى معنى يهدي أي كما أنعمنا عليكم بالهداية كذلك أنعمنا عليكم بأن جعلناكم ، أو كما هديناكم إلى أوسط البقلة جعلناكم أمة وسطا. وقيل : عائد إلى قوله (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ) [البقرة : ١٣٠]. أي كما اصطفينا إبراهيم في الدنيا جعلناكم. وقيل :